أحمد سالم

أحمد سالم

تصحيح خطأ شائع حول مفهوم الخمار في الوحي، وبيان أن الطرحة القصيرة على أي شكل من أشكال الثياب الساترة للجسد هي حجاب شرعي صحيح.

لما قال الله سبحانه آمرًا المؤمنات: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن}.

لم يقصد سبحانه بالخمار الأشكال الشائعة الواسعة التي تصل لمنتصف الجسد، وإنما قصد سبحانه تغطية الرأس بما يستر العنق وفتحة الصدر، فقد كان من زينة المرأة العربية أن تكشف شعرها وعنقها وأعلى صدرها، فالأمر بالحجاب، وبالخمار على الحقيقة هو أمر بستر لحم المرأة سوى وجهها وكفيها وقدميها (على المختار) ولم يقل فقيه أو مفسر قط بأن هذه الصورة هي الخمار أو الحجاب الذي في النصوص، فالتخمير هو التغطية ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: خمروا آنيتكم، وسميت الخمر خمرًا لأنه تغطي إدارك العقل، والتغطية المنصوص عليها أصالة هنا هي تغطية الرأس والعنق وصفحة الصدر وهي المقصودة في قوله عليه الصلاة والسلام: لا صلاة لحائض إلا بخمار.

ولا يختلف علماء العربية، والفقهاء، والمفسرون، جميعًا؛ أنَّ الخمار هو غطاء الرأس، وأنَّ «الخمار للمرأة كالعمامة للرجل»، وقال ابن كثير: «هو ما يخمر به، أي: يغطى به الرأس، وهي التي تسميها الناس المقانع»، وعلى ذلك فسَّرُوا المقنعة أيضًا: «قَالَ اللَّيْث: الـمِقنَعة: مَا تقنِّع بِهِ المرأةُ رأسَها. قَالَ: والقِناع أوسع مِنْهَا»، «والـمِقْنَعُ والـمِقْنَعَةُ - بكَسْرِ مِيمِهما -، الأُولَى عَنِ اللِّحْيَانِيِّ: مَا تُقَنِّعُ بِهِ المَرْأةُ رأْسَهَا ومَحَاسِنَها، أيْ: تُغَطِّي». 

وفي شرح العمدة: «قال ابن عباس: هو الوجه والكفان. وهو كما قال؛ لأنَّ الوجه والكفين يظهران منها في عموم الأحوال ولا يمكنها سترهما مع العمل المعتاد، ولأنَّه قال: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}، فأمرهن بإرخاء الخمر على الجيوب لستر أعناقهن وصدورهن، فلو كان ستر الوجه واليدين واجبًا لأمر به كما أمر بستر الأعناق».

فالمراد في كل ذلك هو ستر العورة أن تكشف والعورة هنا هي الرأس ولحم العنق والصدر، أما إذا كان الصدر مغطى بالعباءة فلا علاقة للخمار الشرعي بتغطية الصدر لأنه مغطى أصلا، فالطرحة العادية التي لا يبين منها شعر الرأس ولا لحم العنق هي حجاب شرعي صحيح، والصدر المستور بالعباءة أو الفستان هو صدر مستور العورة لا يحتاج لخمار يستره لتحقيق الحجاب الواجب، فهذا تحقيق للحجاب الواجب الصحيح..

وإنما يزيد الناس على ذلك أردية واسعة كالخمار بالشكل الشائع أو غيره من باب المبالغة في الستر وهذا خيار مشروع يأجرهن الله فيه على قصدهن، لكن ليس هذا متعلقًا بحد الخمار الواجب.

مشاركة

مقتطفات أخرى

كتب تولستوي في ((الاعتراف)): ((لا يمكننا أن نتوقف عن معرفة ما نعرفه)).

لا يُمكنك أن تتعامل مع الذي تعلمته كأنما هو مرحلة وانقضت، تأخذها وتبني عليها وتكف عن معاودتها ومراجعتها وتعلمها.
الواجب هو أن تظل تتعلمها بعد أن تعلمتها، وتظل تتعرف عليها بعد أن عرفتها.

وهذا أحد أجل وأعظم أسرار التكرار في القرآن، يعيدك الله مرة بعد مرة إلى ما أخبرك به من قبل؛ لأنك ستغفل عنه، وبوابة الغفلة هي أنك تظن أنك لا تحتاج إلى تعلم ما تعلمته وإلى معرفة ما عرفته، ولا نجاة من هذا إلا بأن تعلم أن أصل العلم هو معاودة العلم، ومعاودة العلم زيادة فيه وعليه.

 إن النفس تشغف بالجديد وتمل منه بعد حين وتتركه لتطلب غيره، وذاك كله يحجزها عن التعلم الحقيقي، وهو تعلم ما قد تعلمته، فهذا هو طريق الفقه وهو الطريق الأساسي للنجاة من رسوخ الباطل تتوهمه حقًا، فلا نجاة من هذا بعد توفيق الله سوى معاودة النظر مرة بعد مرة، وجل فساد الناس في العلم والعمل إنما هو ترك معاودة ما يظنون أنهم تعلموه وانتهوا منه ولا حاجة بهم لمراجعته.

اقرأ المزيد

في ختام ثلاثية سيد الخواتم، ولما شعر البطل (فرودو) بأنه لم يعد يستطيع تحمل ثقل مسؤولية حمله للخاتم، اقترب منه صديق وقال له: لا يمكنني أن أحمله بدلًا منك ولكن يمكنني أن أحملك.

هذا هو جوهر المواساة، لا أستطيع أن أزيح الهم عن كاهلك، لكنني هنا بجوارك تستند علي حتى تستطيع التعامل مع الثقل الذي تمر به.

أنا هنا، وأنا معك.

وفي حادثة الإفك تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:

 ((وقدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ ويَوْمًا حتَّى أظُنُّ أنَّ البُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي، قَالَتْ: فَبيْنَا هُما جَالِسَانِ عِندِي وأَنَا أبْكِي، إذِ اسْتَأْذَنَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأنْصَارِ، فأذِنْتُ لَهَا، فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي)).

فقط جلست تبكي معاها، تقول ببكائها أنا هنا.

ولما بكى الأنصار قتلاهم في أحد حزن رسول الله أن ليس لحمزة بن أبي طالب من يبكي فقده ويواسيه هو في فقده لعمه فقال عليه الصلاة والسلام: ولكن حمزة لا بواكي له.

قل لأخيك: أنا هنا، لستَ وحدك، اقترب، ساند، تألم لألم أخيك، فالمسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.

.

اقرأ المزيد