
أحمد سالم
تقول الطاهرة الشريفة أم المؤمنين عائشة : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل زينب بنت جحش عن أمري، فقال: «يا زينب، ما علمت ما رأيت»، فقالت: يا رسول الله، أحمي سمعي وبصري، والله ما علمت عليها إلا خيرا، قالت: وهي التي كانت تساميني، فعصمها الله بالورع.
قلت: وكم من دماء الأعراض يسيل ؛ لأن قوماً لم يحموا أسماعهم وأبصارهم ولم يعصمهم الله بالورع.
وأعون شيء على سلامة الصدر ونزع الغل = أن تشهد أن الله قدر يوماً يقضي هو فيه بين الخلائق على رؤوس الأشهاد.
فإن من وكل ما بينه وبين الناس للحكم العدل= زهد في الاستشفاء باللسان من خصومه، ورأى ذلك اليوم أوفى لحقه، وأسلم له من أن يحمله الاستشفاء باللسان ووقوع الناس فيه على البغي والعدوان فيقابل ظلماً بظلم، ويأتي يوم القيامة وقد خسر حسنات كانت ستأتيه من غير كد ولا نصب.
فأعرض، واضرب بينك وبين الخائضين فيك بسور له باب= واجعل كل ذلك نسيئة ليوم الحساب.
مقتطفات أخرى
الصداقة هي جوهر العلاقات كلها وبقدر عافية الصداقة تكون صحة العلاقة.
أبوك، أمك، أخوك، أختك، زوجك، زوجتك، ابنك، ابنتك= كل دول هما أصدقاء بدرجة ما، ولو معدل الصداقة في العلاقة منخفض العلاقة كلها بتنخفض..
وجوهر الصداقة هو الشعور بفهم متبادل للطباع والاهتمامات (فهم وليس تشارك) والشعور بالأمن فلن يُكشف ظهرك أو تُخان أو تُخدع أو تُغش من جهة هذا الصديق، وتشارك الاهتمام وانسجام الطبع يوثق الصداقة لكنها ليس شرطًا لها ولا شرطًا لعمقها فقد تقوى بدونه.
جاء رجل إلى مطيع بن إياس فقال: قد جئتك خاطباً، قال: لمن؟ قال: لمودتك، قال: قد أنكحتكها وجعلت الصداق أن لا تقبل في مقالة قائل.
ولذلك كان جوهر المودة بين الزوجين هو الاحترام وحفظ الحق، ولهذا حين قِيلَ للحسنِ بنِ عليٍّ رضي الله عنهما: «إنَّ لي بِنتًا، فمَن ترى أن أُزوِّجَها له؟» فقال: «زَوِّجْها لِمَن يَتَّقي اللهَ؛ فإن أَحَبَّها أَكْرَمَها، وإن أَبْغَضَها لَم يَظْلِمْها».
والمحبة مع الأذى هي مرض وورم يُصور نفسه شحمًا وعافية، وأعيذك بالله أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم، ولأجل ذلك كان العدو العاقل خير من الصديق المخادع الجاهل، وكان بين القاضي أبي حامد المروروذي وبين ابن نصرويه عداوة، ورغمها كان القاضي يقول عن ابن نصر: والله إني بباطنه في عداوته أوثق مني بظاهر صداقة غيره، وذاك لعقله الذي هو أقوى زاجر له عن مساءتي.
ومما ضيعه الناس من معاني الكلام، معنى النصيحة، فليست النصيحة من ناحية أصلها هي أن تأمر وتنهى، وإنما النصيحة هي أن تكون معي صافيًا لا تغشني ولا تخدعني.
والصداقة فعل إنساني عاطفي، إن توفر بيننا ما يكفي من المروءة الإنسانية والأمن العاطفي فسنوفي الصحبة حقها ولن يضرنا اختلاف أفكارنا.
وكثير من طلب الناس للاتفاق والتوافق في العلاقات منبعه فقد الأمن وخوف الخديعة، فحن نعد الوفاق ضمانة لاعتزاز المودة، والحقيقة أن الوفاق لا يضمن المودة، وأن المودة توجد رغم الخلاف، وشرطها أمر واحد: أن تكون مودة صادقة.
قال أبو محمد ابن حزم:
((محارب بن دثارأحد أئمة أهل السنة، وعمران بن حطان أحد أئمة الصفرية من الخوارج كانا صديقين مخلصين زميلين إلى الحج لم يتحارجا قطّ.
عبد الرحمن بن أبي ليلى كان يقدم علياً على عثمان، وعبد الله بن عكيم كان يقدم عثمان على علي، وكانا صديقين لم يتحارجا قط، وماتت أم عبد الرحمن فقدم للصلاة عليها ابن عكيم.
طلحة بن مصرف وزبيد اليامي صديقان متصافيان، وكان طلحة يقدم عثمان، وكان زبيد يقدم علياً، ولم يتحارجا قط.
داود بن أبي هند إمام السنة وموسى بن سيار من أئمة القدرية: كانا صديقين متصافيين خمسين سنة لم يتحارجا قط.
سليمان التَّيمي إمام أهل السنة والفضل الرقاشي إمام المعتزلة: كانا صديقين إلى أن ماتا متصافيين، وتزوج سليمان بنت الفضل وهي أم المعتمر بن سليمان.
الكميت بن زيد مضري عصبي كوفي شيعي والطرماح بن حكيم يماني عصبي شامي خارجي، وكلاهما شاعر مفلق، كانا صديقين متصافيين على عظيم تضادّهما من كل وجه .
هشام بن الحكم إمام الرافضة، وعبد الله بن زيد الفزاري إمام الإباضية، صديقان مخلصان في دكان وأحد، لم يتحارجا قط)).
عن بكر بن عبد الله المزني قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتبادحون بالبطيخ، فإذا كانت الحقائق= كانوا هم الرجال.
وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: لم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متحزقين، ولا متماوتين، وكانوا يتناشدون الشعر في مجالسهم ويذكرون أمر جاهليتهم فإذا أريد أحد منهم على شيء من أمر الله دارت حماليق عينيه كأنه مجنون.