
أحمد سالم
إن من الناس ناسًا يحرصون على أن يكون لهم لسان صدق عند الناس فلا يُغضبون أحدًا، ويتفاخرون بأنه لا عداوة بينهم وبين أحد.
وإن من الناس ناسًا يتوسعون في المفاصلة، ويسرفون في المعاداة، ويجعلون من إحقاق الحق وإنكار المنكر حجة لهم يبررون بها كثرة الفساد في علاقاتهم.
فالأولون: مداهنون، الواحد منهم لا يُحلي ولا يُمر؛ فإن من أحق الحق وقام بالصدق وكانت له مواقفه الأخلاقية الواضحة= قلما يرضى عنه الناس كلهم. وجبن الموقف هو الاسم الصحيح لكثير مما يسميه الناس: ذكاء اجتماعيًا.
والآخرون: ضعيفو السياسة، لا يملكون من فقه النصيحة، وذكاء الخطاب، وحسن اختيار المقامات ما يتفادون به مُعارَكة طواحين الهواء، وإفساد الحق بسوء اختيار مقامه وخطابه وعدته وإهابه.
وبين هذين الطريقين طريق السادة الفقهاء، من يُحسنون حبس طبع نفوسهم ألا يَفسد به عيشهم وخطابهم واختياراتهم ومواقفهم، فيزنون للولاية والعداوة، وللحق وخطابه ما يكونون به وسطًا بين هؤلاء وأولئك.
فجاهد نفسك أن تكون منهم وليس شرطًا أن تبلغ تمام ذلك، لكن استمر بالمحاولة، فإن اكتساب هذه الصراطات القيمية لا يحدث للمرء بين عشية وضحاها.
مقتطفات أخرى
وليس المراد بقطع العلائق ألا يتعلق الإنسان بشيء؛ فذلك لا يكون، وقد فطر الله العباد على التعلق، كما فطرهم على المحبة والبغض، وقد كان لرسول الله: فاطمة وإبراهيم، وخديجة وعائشة والصديق والفاروق، فليس موضع الابتلاء ألا نتعلق بمن نحب، كما أنه ليس موضع الابتلاء ألا نحب، وإنما موضع الابتلاء في أمرين:
الأول: أن يكون التعلق به سبحانه هو المهيمن على باقي التعلقات فلا يحمل تعلق منها على معصيته، ولا تعظم محبة من المحاب على محبته سبحانه.
ومن ذاك قوله عليه الصلاة والسلام: لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها.
والثاني وهو لب الروحانية والعبادة: القدرة على التسامي والانفصال عن سائر التعلقات ولو في غير معصية، لمجرد تحقيق الإيمان بأن الله أكبر، وهذه تحتاج لبيان أوسع أرجو أن يفتح الله به.
«عقدت العزم على أن أتخلى عن الأهداف الكبرى وأن أعتبر نفسي سعيدًا إن تمكنت ببساطة، هنا وهناك، من إيجاد موطئ قدم على قطعة صغيرة جدًا من أرض صلبة، في المستنقعات الضبابية المتقلبة. هكذا انتقلت في حياتي من يأس إلى يأس، ومن تماسك إلى تماسك.»
إدموند هوسرل