
أحمد سالم
كتب تولستوي في ((الاعتراف)): ((لا يمكننا أن نتوقف عن معرفة ما نعرفه)).
لا يُمكنك أن تتعامل مع الذي تعلمته كأنما هو مرحلة وانقضت، تأخذها وتبني عليها وتكف عن معاودتها ومراجعتها وتعلمها.
الواجب هو أن تظل تتعلمها بعد أن تعلمتها، وتظل تتعرف عليها بعد أن عرفتها.
وهذا أحد أجل وأعظم أسرار التكرار في القرآن، يعيدك الله مرة بعد مرة إلى ما أخبرك به من قبل؛ لأنك ستغفل عنه، وبوابة الغفلة هي أنك تظن أنك لا تحتاج إلى تعلم ما تعلمته وإلى معرفة ما عرفته، ولا نجاة من هذا إلا بأن تعلم أن أصل العلم هو معاودة العلم، ومعاودة العلم زيادة فيه وعليه.
إن النفس تشغف بالجديد وتمل منه بعد حين وتتركه لتطلب غيره، وذاك كله يحجزها عن التعلم الحقيقي، وهو تعلم ما قد تعلمته، فهذا هو طريق الفقه وهو الطريق الأساسي للنجاة من رسوخ الباطل تتوهمه حقًا، فلا نجاة من هذا بعد توفيق الله سوى معاودة النظر مرة بعد مرة، وجل فساد الناس في العلم والعمل إنما هو ترك معاودة ما يظنون أنهم تعلموه وانتهوا منه ولا حاجة بهم لمراجعته.
مقتطفات أخرى
يقول الله تبارك وتعالى: {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ}
من بدائع هذه الآية أن الله سمى ظن الخير الواجب على المؤمن أن يفعله مع الغير؛ سماه ظنًا بالنفس، وذلك أن المؤمنين كالجسد الواحد، يقول رسول الله: ((مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)).
ومن مثل في نفسه دائمًا أنه يكون مكان أخيه، لم يفعل مع أخيه إلا ما يحب أن يُعامل هو به.
وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: ((((فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وََالْيَوْمِ الآخِرِ، وَلْيَأتِ إِلى النَّاسِ الَّذِي يُحبُّ أَنْ يُؤْتَى إِليَهِ)).
لا شيء يعينك على تفهم أحوال الناس مثل تدبرك في أحوال نفسك، وإنما يبلغ ذلك الصادقون الذين صدقوا الله أنفسهم ولم يخدعوها.
من أعذب ما قيل في الصداقة قول أبي سليمان السجستاني عن صديقه القاضي ابن سيار: ((وقلّما نجتمع إلا ويحدثني عني بأسرار ما سافرت من ضميري إلى شفتي، ولا ندّت عن صدري إلى لفظي، وذاك للصفاء الذي نتساهمه، والوفاء الذي نتقاسمه)).