أحمد سالم

أحمد سالم

عندما أدخل كلية كذا، عندما أتخرج، عندما أعمل، عندما أترقى، عندما أتقاعد.
عندما أتزوج، عندما أنجب، عندما يكبر أولادي، عندما يصفو لي العيش مع زوجي.
عندما تتحسن صحتي، عندما أتعافى، عندما أقضي ديوني، عندما أنتقل من بلدي، عندما أتخلص من همي.

لو لم يحصل لي كذا، ولو لم يصبني كذا، ولو لم أفعل كذا، ولو لم يفتني كذا، ولو لم أخطيء في كذا.

بين اجترار الماضي وأماني المستقبل، كذلك الناس، هم أبدًا ليسوا هنا، وأبدًا ليسوا هناك، وأبدًا لا يعيشون الشيء الوحيد الذي يملكونه، أعني يومهم هذا.

يروى عن المسيح قوله: لا تهتموا للغد لأن الغد يهتم لنفسه، يكفي اليوم شره.

وتقول الصوفية:
ما مضى فات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها.

ويقول رسول الله: إن لو تفتح عمل الشيطان.
ويقول ابن عمر: اعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا.

نعم، مثل في نفسك أن اليوم هو آخر العمل.

التخطيط لا عيب فيه، والتعلم من الماضي سنة حسنة، لكن ليس هذا هو الغالب على الناس، إنما يغلب عليهم الالتهاء بهذين عن عيش حياتهم الحاضرة.

كما يقول أحدهم: الحياة هي ما يحدث بينما نحن نقوم بوضع خطط أخرى.

نندم على ما مضى ونأسى على ما فاتنا فيه ونقلق مما سيأتي ويطول أملنا متعلقين بأمانيه.

يظن أحدنا أنه سيتمكن من عيش حياته فقط عندما يحدث كذا، أو أنه كان ليعيشها لو لم يحدث كذا، بينما الحياة الوحيدة القابلة للعيش هي الآن وفقط، وما فات لا يعود، فاقبض على ما هاهنا وذق طعمه حتى ترضى.

مشاركة

مقتطفات أخرى

عبد الله بن سعد بن أبي السرح، قرشي، يجتمع مع النبي في نسبه، وهو أخو عثمان بن عفان من الرضاعة، وكان عمره يوم بعث النبي عشر سنوات، فبلغ وأسلم.

هاجر للمدينة بعد إسلامه، وكان يقرأ ويكتب، فكان من كتاب الوحي.

في ظروف غير معلومة، كفر عبد الله بن سعد وارتد عن الإسلام وعاد لمكة وكان يجالس كفار قريش فيقول ما يعلم محمد ما يقول وإنه يوحى إلي مثل ما يوحى إليه.

وكان السلف يرون أن هذه الآية تتناوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ}.

لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، لم يعف رسول الله عن جميع أهل مكة كما يتوهم الناس، وإنما أهدر دم جماعة وطالب بقتلهم ولو كانوا متعلقين بأستار الكعبة وذلك لفرط أذاهم، وكان منهم عبد الله بن سعد بن أبي السرح.

ذهب عبد الله لعثمان فقال له: ((إن جُرمي أعظم الجُرم وقد جئت تائباً )).

عثمان بن عفان أبى أن يضيع أخاه فأتى به ممسكًا بيده إلى رسول الله طالبًا العفو، فمد يده لرسول الله يصافحه على العفو والإسلام ورسول الله يأبى أن يصافحه فلما طال الأمر مد رسول الله يده فعفا عنه وأسلم عبد الله، وكان رسول الله يود لو انتبه الصحابة لتأخره في المصافحة فيقوم أحدهم فيقتله، وعاتبهم في هذا فقال له عباد بن بشر: والذي بعثك بالحق إني لأتبع طرفك من كل ناحية رجاء أن تشير إلى فـ أضرب عُنقه فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:«إن النبي لا ينبغي أن تكون له خائنة الأعين».

حسن إسلام عبد الله وقاتل مع رسول الله وخلفائه في المعارك كلها وولاه عثمان بن عفان حكم مصر لما فُتحت بعد عمر بن العاص أول حكام مصر من زمن عمر بن الخطاب.

تولى عبد الله بن سعد قيادة الجيش في مصر وهو قائد اول نصر بحري للمسلمين في معركة ذات الصواري، وقاد فتوح المغرب وكان له شرف افتتاحها ومات شهيدًا في معاركها.

قلت: هذه رحلة طويلة لرجل أراد الله له ما لم يُرده لنفسه في مواطن كثيرة، ولا ظن أحد من الناس أنه يُختم له بما خُتم له بعد هذه الرحلة الطويلة، ولو رأيتَه يوم يكتب الوحي لقلت أنى لي بمنزلة هذا، ولو رأيته يوم يفتري على النبي لقلت أنى يؤمن هذا، وخزائن الله أوسع من أوهام البشر.

موج الحياة يخفض الإنسان ويرفعه، وعمل الإنسان يرتفع به أو يهوي به، وما من يوم ترى فيه أنك أسوأ الخلق إلا والفرصة فيه  قائمة لتكون إلى الله من أحب الخلق، ولن يمل الله من بسط يديه إلينا حتى نمل من اللجأ إليه.

اقرأ المزيد

مفيش رجل بيحول حياة ست لجحيم إلا بعد استقرار شيء أساسي في نفسه: إن بقاءها معه أمر واقع ومحتوم ومش هتقدر تروح في حتة ولا هتلاقي حد يحميها منه.

المجرمون يخافون ولا يختشون، بمعنى: يخافون من غيرهم ولا يوجد وازع أخلاقي داخلهم.

وهذا الواقع الأسود شريك فيه المرأة نفسها التي تستسلم للظلم والإهانة والاعتداء عشان تاكل وتربي عيال غالبا بيطلعوا مرضى نفسيين، أو على الأقل تملؤ ندوب وألغام أرضية قابلة دائمًا للتفجر والفساد.
وشريك فيها أهلها اللي بيتخلوا عنها ومش عاوزين يتحملوا مسؤوليتها وشايفينها لو اتطلقت عبء عليهم.
وشريك فيها مجتمع مريض عاجز عن حماية نفسه من عمليات تكاثر المشوهين نفسيا، وشريك فيه دولة هشة عاجزة عن توفير نظام قضائي حاسم وعدالة ناجزة تحفظ حقوق الناس.

وإن أحد الإشكاليات الأساسية في كل ما يتم طرحه في العالم العربي حول المشكلات الزوجية هو استبعاد خيار ‍الطلاق.

الآن حتى تصل الفكرة كما أريدها بالضبط سأرتبها في ثلاث نقاط:

الأولى: كل الأدبيات التي يتم طرحها حول صبر الزوجة واحتسابها وصبر الزوج واحتسابه، وجبر السيئة بالحسنة، وألا يفرك مؤمن مؤمنة، كل ذلك إنما هو حيث تغلب الحسنات السيئات، وحيث يكون الأصل عند كل طرف هو احترام الطرف الآخر وتقوى الله فيه، وحيث يكون الفساد الواقع راجع لنقص التجربة وسوء الفهم وليس لفساد المعدن.
وبالتالي فاستحضار هذه الأدبيات وصبها في مسامع زوجة ترزح تحت نير رجل ظالم يسومها سوء العذاب، أو صبها في مسامع زوج ابتلاه الله بامرأة سوء= هو نوع من العبث لا علاقة له لا بالدين ولا بالإصلاح ولا بأخلاق حسن العشرة.

وهناك ألوان معينة من العيوب مثل البخل الشديد المضر بالنفقات الضرورية، ومثل قلة الحياء والتبذل المحرم للرجال= تكون الوصية بالصبر والاستمرار فيها لونا من العبث أيضا لا يقرره نظام عشرة سوي كقاعدة له، حتى ولو كان لدى الطرف المصاب بهذا حسنات أخرى، وغاية ما يتاح هو طرح الصبر والعلاج كخيار إن شاء اختاره وإن شاء طلق، خاصة عند وجود الحب الذي يُعجز صاحبه عن الفراق.

ثانيًا: ‍الطلاق حل مشروع وحل ناجع اعتبرته الشريعة، وليس أبغض الحلال فلا يصح في وصفه بذلك حديث، وقد طلق رسول الله ثلاث مرات، وهو الخيار الأساسي في الحالات التي ذكرتها في النقطة الأولى، وهو خيار أساسي في حالات أخرى أقل حدة تتعلق بأن تبغض المرأة الرجل أو يبغض الرجل المرأة بغضا يؤدي وجوده لتضرر العلاقة جدا، ولا علاقة له بنقص الدين والدنيا، ولكنه بغض نفسي وتنافر قلبي.

والتصور الاجتماعي الإسلامي إن تم تطبيقه بكافة عناصره سيكون للطلاق سيولة داعمة، وروافد مساعدة وفرصا خادمة= تقلل كثيرا من الأضرار الاجتماعية التي نراها الآن وتجعل ‍الطلاق خيارا عسيرا، لذلك ف‍الطلاق كنظام يقع وسط نسق الأنظمة الاجتماعية الإسلامية: فيه من اليسر والسيولة ومساعدات التطبيق ما يجعله يُكون مع شروط اختيار شريك الحياة وأدب العشرة المقرر في الوحي= نموذجا أكثر إنسانية وواقعية من اختبار العلاقة بالزنا المتكرر حتى الاستقرار على شريك مناسب للحياة كما هو النموذج الغربي والذي يلوح فشله وقلة جدواه لأي ناظر في نسب ‍الطلاق في الغرب مع الفساد الكبير لعلاقات الأخدان هذه.

ثالثاً: بما إن التصور الاجتماعي الإسلامي تم انتهاك فرص تطبيقه من قبل جهات شتى، بات الكلام عن ‍الطلاق وسهولته ويسره، بمثابة حل منزوع من سياقه ومن أدواته الخادمة، وبالتالي يبدو كلام من يستبعدون ‍الطلاق من الحلول= كلاما أكثر واقعية ومنطقية يعيبه فقط أنهم لا يُظهرون وربما لا يفهمون أن هذا الكلام ناتج عن تغيرات اجتماعية واقتصادية وليس هو الأصل، والكلام عن ‍الطلاق كأنما هو كارثة، لابد أن يظل مقيدا بكونه كارثة نتيجة للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية وإلا فهو حل اجتماعي ممتاز في كثير من الأحيان لولا معوقاته التي جرت بأيدي الناس، وبالتالي فهناك حالات كثيرة يجب فيها ترجيح قرار الطلاق وتحمل المعوقات، ويجب فيها السعي المجتمعي لتخفيف المعوقات.

والواقع أن هناك درجة معينة من التأثر بالمسيحية وموقفها من ‍الطلاق يشيع في تصورات الكثيرين دو أن يشعروا، العلاقات في التصور الإسلامي قائمة على سهولة الدخول فيها وسهولة الخروج منها إن تعسرت العشرة.

النبي صلى الله عليه وسلم طلق زوجة من زوجاته بمجرد أن بدا منها درجة يسيرة من درجات عدم قبول العشرة.

كل أب وأم لا يقفون جوار ابنتهم حين تتعرض للظلم والاعتداء من طاغية مفسد= فهم آثمون إثما عظيمًا.

الخلاصة: معظم ما يتم طرحه عن العشرة الزوجية من خطاب إصلاحي: إنما هو خطاب لقوم أصحاء يتقون الله، تقع منهم جوانب نقص وتقصير وضعف في التجربة ‍الإنسانية، فيتم خطابهم للترشيد والإصلاح.
أما الظلمة الفجرة وأهل العيوب الكارثية فإنما تؤمر المرأة/الرجل بالصبر إن كان الفراق أشق عليها وأكثر فسادا، والصبر هنا خلق ضرورة وليس من أخلاق حسن العشرة، وإلا فاستحضار خيار ‍الطلاق مهم خاصة إذا كانت تجربة الزواج في بدايتها.

ولكل رجل يريد تحقيق معاني الرجولة أقول: كل من له امرأة داخل دائرة رحمه ومحارمه= كن رجلًا وقف بجوارها بما استطعت إن تحققت أنها تتعرض لظلم واعتداء فاسد، لا أقول زين لها الطلاق، ولكن أقصد أشعرها وأشعر ظالمها أن خلفها رجال.

وكقاعدة عامة في كل التصورات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية الموجودة في الوحي وتجارب السلف= في هذه التصورات خير كثير جدًا حتى ما كان منها تجربة إنسانية قابلة للتغير، لكن سواء الثابت منها أو المتغير: لابد من فقهها داخل سياقاتها وداخل بنيتها الداعمة والمتكاملة، وانتزاع جزء منها من سياقه وتطبيقه دون بيئته الداعمة سيؤدي لفساد كبير، كما أن الغفلة عن الأجزاء الثابتة من هذه التصورات وعدم تدبر الحكمة فيها، واستبدال تصورات مغلوطة معاصرة بها وجعلها خطابا أساسيا كما يقع من تبغيض ‍الطلاق تبغيضا زائدا= يؤدي لفساد كبير أيضًا.

اقرأ المزيد