
أحمد سالم
واحد من أظهر أدلة وجود الله، وهو دليل مركزي يجمع بين إثبات وجود الله وإثبات صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم= هو أن هذا القرآن لا يستطيعه بشر، وأنه كلام رب خالق أرسل به نبيًا صادقًا.
وهذا الدليل هو أقل الأدلة من ناحية عناية المتشرعين ببسطه وبيان دلالته.
مقتطفات أخرى
صحابة رسول الله كانوا عربًا قبل أن يكونوا صحابة مؤمنين صالحين، ثم صقل الإيمان عروبتهم، ولا شيء أقرب لجوهر الرجولة من عروبة الصحراء القاسية قد صقلتها نداوة الإيمان الذي أوحى به الله على سيد الرجال والأنبياء محمد بن عبد الله.
أعطانا الإسلام هدية عظمى بأن جعل معدن هذه الرسالة الخاتمة عربيًا، ثم أعطانا هدية عظيمة أخرى بأن أعطانا سير الرعيل الأول لتكون ميثاقًا للرجولة، وورثنا عن العرب موروثًا رجوليًا رائعًا احتوته كتب الأدب ولا يضره أن احتاج لشيء من فك الاشتباك بين رجولة العرب وخشونة الأعراب.
ثم جئنا نحن فتلونا هذا كله هذًا كهذ الشعر، ثم تركناه وراءنا، وذهبنا نربي أبناءنا على قواعد التهذيب المدرسي، حيث يكون معيار أدب الرجل هو نفس معيار أدب الفتاة، وجعلنا قواعد التهذيب المدرسي ميثاقًا للرجولة، فإذا ترقى الرجل فدخل في التدين صقل قواعد التهذيب المدرسي بتدين انتقائي فيه من النسك الأعجمي والتصوف المسيحي أكثر مما فيه من هذا الدين العربي الفحل.
وإذا أردنا أن نكسر دائرة السوء هذه فلابد أن ننطلق من أساس أولي وهو أن تربية الذكر على قواعد التهذيب المجتمعي التي حفظناها عن أهلنا وعن معلمينا وتلوناها حكمًا مأثورة من الغلاف الخلفي للكراسات في الثمانينات= هي ببساطة عملية قتل منتظم للرجولة.
ربع إيدك.
اقعد مؤدب.
لو حد ضربك قل للمس.
ما تعملش دوشة.
ما تكسرش حاجة.
مش عاوز مشاكل.
حرص سلامة أمان هدوء سلامة حرص هدوء أمان هدوء أمان سلامة حرص.
وطائفة أخرى استمدوا قواعد الرجولة من تقليد اجتماعي فاسد، فمعالم الرجولة يربونها عن طريق أن يجرب الولد رجولته بالعدوان على أخته، أو بقتل طفولته وتحميله ما لا يحتمل.
ولا يمكن للذكر أن يكون رجلًا عن طريق هذه القواعد التي تؤسس للبلطجة، أو تلك التي تكبت جموحه وتعتبر عدوانيته شذوذًا، فبقدر استسلامه لهذا ستُقتل رجولته، وبقدر تطرفه عنه ستنبت فيه رجولة خائفة، والرجولة المجروحة المهذبة هي التي يسميها الناس أدبًا، والرجولة المجروحة الخائفة هي التي يسميها الناس البلطجة، والبلطجية، هم الوجه الآخر لعملة الأولاد المهذبين، كلاهما رجولة قتلت أو شوهت.
قال تعالى: { أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال }.
قال شيخ الإسلام: ((فشبه العلم بالماء المنزل من السماء ؛ لأن به حياة القلوب كما أن بالماء حياة الأبدان وشبه القلوب بالأودية لأنها محل العلم كما أن الأودية محل الماء فقلب يسع علما كثيرا وواد يسع ماء كثيرا وقلب يسع علما قليلا وواد يسع ماء قليلا.
وأخبر تعالى أنه يعلو على السيل من الزبد بسبب مخالطة الماء وأنه يذهب جفاء أي : يرمى به ويخفى والذي ينفع الناس يمكث في الأرض ويستقر وكذلك القلوب تخالطها الشهوات والشبهات فإذا ترابى فيها الحق ثارت فيها تلك الشهوات والشبهات ثم تذهب جفاء ويستقر فيها الإيمان والقرآن الذي ينفع صاحبه والناس)).
قلت: تأمل كيف تذهب الشبهات وتضمحل الشهوات فقط بزيادة الحق وتناميه لا بالقصد إلى إزالتها، وهذا باب من الفقه عظيم، كاثر بالخير والحق والطاعة فالمكاثرة تداوي الخلل مداواة قد لا تبلغها المعالجة المقصودة.