أحمد سالم

أحمد سالم

يقول تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُم}.

لأول نظر، قد تبدو العلاقة غير مفهومة بين التولي عن الجهاد، وبين قطع الأرحام، لكن التأمل في الطبيعة الإنسانية يكشف سر ذلك.
الإنسان ظلوم جهول، في طبيعته طاقة شدة وغضب، وككل الغرائز الإنسانية، تقبلها الشريعة وتنظمها؛ لأجل ذلك جعلت للشدة موضعها الذي تتصرف فيه: {أشداء على الكفار رحماء بينهم}.

ما الذي يحدث لمن يتولون عن الجهاد فلا يضعون الشدة في موضعها المناسب؟

نعم. هو ذاك، ينقلب بأسهم ليكون بينهم شديدًا، فيفسدون في الأرض ويقطعون أرحامهم.

مشاركة

مقتطفات أخرى

هناك فرق بين الوحدة التي هي شعور مؤلم، وبين الوحدة بمعنى الانعزال وعدم القدرة على تكوين العلاقات والانخراط فيها.

وبين القدرة على أن تكون وحيدًا فهذه الأخيرة من معالم النضج النفسي، وفيها تكون وحدتك مصدر أمان ودعم بقدر ما العلاقات مصدر أمان ودعم.

وبين الانطوائية وهي تفضيل طبعي لفترات الوحدة وغلبتها مع القدرة على توفية الحد الأدنى من الانخراط الاجتماعي والاستمتاع به وأداء حقه.

هذه أربع صور تسمى وحدة.. 

الوحدة الأولى شعور ملح يتمكن منك حتى وأنت وسط الناس ووسط علاقاتك، والثانية حالة معقدة من المشاعر والسلوكيات تصل بك لأن تكون منعزلًا اجتماعيًا وربما تصل للرهاب الاجتماعي، ولابد في علاجها من تشخيص سليم كامل وعمل منتظم.
تمكن شعور ‍‍الوحدة له آثار نفسية وإيمانية وحتى جسدية، وكنت أحب جدًا تتبع الأحاديث التي تحذر من الانفراد و‍‍الوحدة لأجل هذا، وهذا الإشكال يحتاج لعلاج واستعانة بالله عز وجل.
ومن المهم تحليل أسباب هذا الشعور، أحيانا بتكون بسبب عدم وجود تقدير كافي للذات، أو لوجود روابط عائلية ضعيفة، أو لمشاكل في التواصل مع المجتمع، أو لظروف مؤقتة، تشخيص الحالة وأسبابها مهم جدًا، ومفتاح ده هو الوصف المكتوب للحالة، الوصف المكتوب بيساعد على فهم نفسك وما يحدث لك.
العلاج بعد جودة الفهم والتشخيص يعتمد بدرجة أساسية على محاولة الاندماج والفاعلية، نفع الناس، مساعدة المحتاجين، بناء صداقات جديدة، القرب من الله والتعلق بالوحي والمسجد، ولا مانع من استشارة معالج نفسي بل في الوحدة الثانية (الانعزالية) يكون هذا ضروريًا.

الوحدة الثالثة، من الممكن أن نسميها الاعتكاف، وهي الوحدة التي هي خيار تفعله باقتدار لتعود لذاتك وتستمد منها أمنك وصمودك ولا تفقدك الوحدة قدراتك الاجتماعية.
هذه الوحدة الثالثة من أهم معالم الصحة النفسية.
يقول أنطوني ستور: إن قدرة المرء على التوحد تعتبر مصدرًا عظيم القيمة عندما يتطلب الأمر إحداث تغييرات في التوجه الذهني.
فبعد وقوع تغيرات رئيسة في الظروف المحيطة بالمرء= قد تكون هناك حاجة إلى إعادة تقييم جوهرية لأهمية الوجود ومغزاه؛ ففي ظل حضارة يُعتقد في ظلها أن العلاقات بين المرء وبين غيره من أشخاص؛ خليقة بأن توفر العون بإزاء كل أشكال المحن= فإنه يكون من الصعب أحيانًا إقناع أولئك الذين يقدمون العون بنية طيبة؛ بأن الاعتكاف يمكن أن يكون علاجًا شأنه شأن الدعم التعاطفي من جانب الآخرين.

قلت: ولهذا الاعتكاف آثار فاعلة جدًا في القدرة على معالجة تعقيدات العالم؛ ولأجلها كان الاعتكاف عبادة شرعية، وكانت فترات الحداد من أعظم منح الله للمبتلين بالفقد..

أما الوحدة الرابعة وهي التي يمكن أن نسميها الانطوائية، مع أنه اسم مظلوم، فهي حالة أعمق تعد من جملة الطباع التي قد يجبل عليها بعض الأشخاص أو ترسخها فيهم عوامل تربوية وبيئية= فليست حالة سلبية طالما جمعت بين إيجابيات الاعتكاف ونجت من سلبيات الوحدة الشعورية والانعزال الاجتماعي، وهي في مقابل الانبساطية.

اقرأ المزيد

‏هناك نقد غربي لهيستريا العلاج النفسي والعقاقير النفسية والتمركز حول الذات وتحويل العلاج النفسي لما يشبه الوحي الذي يجيب عن أسئلة الحياة.
‏استيراد هذا النقد من مجتمع متخم، وتسليطه على الواقع العربي غلط عجيب.

فالمجتمع العربي يعاني من عقدة الخوف من الطب النفسي، ويعاني من تدني مستويات الصحة النفسية، ومن جهل عام بخارطة الاضطرابات النفسية والعقلية وتأثيراتها الحقيقية.
والمجتمع العربي يعاني وبشدة من هدر الذات لصالح أنظمة غاشمة وتركيبات مجتمعية تدار بالأعراف الفاسدة مع فقدان ثقة واضح في المؤسسات الدينية، فالتمركز حول الذات إن وجد فهو في الحقيقة محاولة لاستنقاذ الذات من تحت الانقاض، فنعم التمركز هو.

‏ النقد الغربي بعض نواحيه مفيد الآن لكن معظمه أجنبي تمامًا عن الاحتياجات العربية النفسية، وأعظم استفادة من هذا النقد هي توليد خطاب موجه للأطباء والمعالجين، يُرشد ممارساتهم ويسعى لإرشادهم لخارطة تقيهم الألغام المزروعة في حقل علم النفس والطب النفسي الغربيين.

أما توجيه هذا الخطاب للأفراد فهو أشبه باستعمال أدوية التخمة مع مريض الهزال.

اقرأ المزيد