أحمد سالم
هناك مرحلة ما في حياة الإنسان يسلك فيها منعطفًا خاطئًا يخالف قيمه، ولسبب ما يتفرع هذا المنعطف إلى شبكة من الطرق الخاطئة يتيه فيها الإنسان فلا يعود بعدها إلى الطريق المستقيم إلا من رحم، والمكون الثابت في تلك النماذج الإنسانية: هو القدرة غير النهائية للشخص على تبرير انحطاطه وسفوله، وعلى إلباس ضلاله ثوب الهدى، وجنايته لباس البراءة.
لأجل ذلك يعتبر البعض أن أعظم مشاهد مسلسل ((Breaking bad)) على الإطلاق هو مشهد أواخر الموسم الخامس حين يتخلص والتر وايت من طبقات التبرير الكثيفة التي استمر يغطي بها جرائمه عبر حلقات ومواسم المسلسل؛ ليصل للمرة الأولى لاعتراف واضح وصريح بالدوافع الحقيقة لتصرفاته، والتي ليست أبدا مصلحة عائلته أو تأمين مستقبل أولاده، وإنما وفقط هذا السبب: نفسه، أنه واجد حياته في ذلك، وأنه وجد فيما يفعله قيمة ترضي كبره وغروره، كان هذا واضحًا من قبل لمن شاهد بعناية كيف يُستفز غرور والتر وتتضخم أناه حتى كاد يفضح نفسه لمجرد أن نسب مخدره لصانع آخر أو لمجرد توهم زوجته أنه مجرد موزع حشيش بائس، لكن هذه المرة الاعتراف سيد الأدلة.
قدرة الإنسان اللامحدودة على التبرير الذي يداري به دوافعه الحقيقة، جهاز التأويل المعقد والضخم الذي يملكه كل منا؛ ويستطيع به أن يطمر شهواته ونزواته وتحكم نوازع السوء داخله في أفعاله، هذه المداراة وذلك الكتمان الذي يصل في تعقيده وتركيبه حتى يخدع به الإنسان ذاته أحيانًا.
ولا يزال الولع بفكرة التطهر بالاعتراف مسيطرًا على صانع والتر وايت وسول جودمان، فنرى في خاتمة جودمان مشهد اعتراف آخر، حتى قرب نهاية الحلقة لم تكن بوادر الاعتراف تلوح في الأفق، مشهد مايك (فلاش باك) لا يرى سول أن هناك ما يندم عليه أو يود تغييره في ماضيه على عكس مايك الذي يود محو تجربة أول رشوة أخذها في حياته لأنها هي بداية المنحدر الزلق.
مشهد والتر وايت (فلاش باك) فيه ندم يناسب والتر في مرحلة المشهد، ندم على أنه قد خُدع ونزع منه استحقاقه، أما سول فيندم على أنه انزلق في اللعب فأصاب نفسه.
ثم ينتهي كل هذا باعتراف لم يُمهد له ظاهريًا، وربما يرى البعض أنه لم يُمهد له بالكلية.
بقطع النظر عن الصفات والصور الخاصة= يملك الاعتراف بالخطأ قداسة كبيرة في معظم الأديان والثقافات.
في الوحي المحفوظ والكتب المحرفة، في أعمال الفنانين ونصوص الأدباء وأفكار الفلاسفة وحتى في السرد السينمائي= لا أكاد أحصي كيف تٌسبغ الجلالة على كل واقعة يتخلى فيها الإنسان عن قدراته التبريرية ليقف معترفًا بخطئه عاريًا من كل لباس زور اعتاد أن يٌجمل به أخطاءه.
تاريخ الإنسانية كله يمكنك أن تقرأه من زاوية هذا التقابل: ذنب إبليسي مغلف بالتبرير والمكابرة والنكران، وذنب آدمي غسله الإقرار والندم وطلب الصفح والغفران.
المكابرة الشخصية وعدم الاعتراف بالنقص والعيب مريح للإنسان، ومواجهة الذات والصدق معها والإقرار بنقصها وعيبها وقبح فعلها مؤلم جدًا، ولولا أن الإنكار مريح والصدق مؤلم= لما كان هذا هو حالنا وحال الناس.
وقد أيقنت أن من أعظم الرزق أن يرزقك الله القوة على الصدق مع نفسك، وأن يعينك على احتمال السوء الذي ستراه منها، وأن يدلك على الطريق الذي به وحده تحصل المداواة، أن ترفق بتلك النفس وترحم ضعفها وتفهم السياقات التي أدت بتلك النفس لحالها الذي تكرهه منها، ثم تسأل الله الإعانة بحوله وقوته، وتأخذ بيد نفسك، فتصيب مرة وتغلط أخرى، وتقوم مرة وتسقط أخرى، وتقطع الأمل في الناس إلا من ناصح صادق ومحب مشفق، وهم قلة لا تكاد تجد منهم أحدًا؛ فإن الناس لا يسترون عورة ولا يشكرون خيرًا إلا من رحم الله، ولو تركنا الله لمدح الناس وذمهم لهلكنا، ولكنه علمنا سبحانه أنه وحده حمده زين أهل أن تتزين به، وذمه شين أهل أن تخشاه وتفر منه، ثم إنه سبحانه لا يحاسبنا إلا حساب كريم يرحم مقام الضعفاء الذين لا يجدون إلا جهدهم.
اللهم إنك تعلم أن كلامي هذا لم أكتبه إلا ألمًا من ضعف نفسي ونقصها فارحمني وأعني.
مقتطفات أخرى
📌 اِعلم أنه ليس من الزينة (الممنوعة) في شيء أن يكون ثوب المرأة الذي تلتحف به ملونا بلون غير البياض أو السواد كما يتوهم بعض النساء الملتزمات وذلك لأمرين :
الأول : قوله صلى الله عليه وسلم: ((طيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه)).
والآخر : جريان العمل من نساء الصحابة على ذلك وأسوق هنا بعض الآثار الثابتة في ذلك مما رواه الحافظ ابن أبي شيبة في المصنف:
عن إبراهيم وهو النخعي ((أنه كان يدخل مع علقمة والأسود على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فيراهن في اللحف الحمر)) .
وعن ابن أبي مليكة قال : ((رأيت على أم سلمة درعا وملحفة مصبغتين بالعصفر)).
وعن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق (أن عائشة كانت تلبس الثياب المعصفرة وهي محرمة) .وفي رواية عن القاسم : ((أن عائشة كانت تلبس الثياب الموردة بالعصفر وهي محرمة)).
وعن هشام عن فاطمة بنت المنذر ( أن أسماء كانت تلبس المعصفر وهي محرمة ).
وعن سعيد بن جبير : ((أنه رأى بعض أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم تطوف بالبيت وعليها ثياب معصفرة)). الشيخ الألباني في جلباب المرأة المسلمة.
📌 وروى البخاري عن ابن جريج أخبرنا قال: ((أخبرني عطاء كنت آتي عائشة أنا وعبيد بن عمير وهي مجاورة في جوف ثبير. قلت وما حجابها؟ قال: هي في قبة تركية لها غشاء, وما بيننا وبينها غير ذلك. ورأيت عليها درعا موردا)).
📌وروى الإمام أحمد بن حنبل عن عائشة بنت سعد قالت: (كن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يحرمن في المعصفرات).
📌 وفي سنن أبي داود وابن ماجة وابن ماجه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : (هبطنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثنية فالتفت إلي وعلي ريطة مضرجة بالعصفر فقال: ما هذه الريطة عليك؟ فعرفت ما كره فأتيت أهلي وهم يسجرون تنورا لهم فقذفتها فيه ثم أتيته من الغد فقال: يا عبد الله ما فعلت الريطة؟ فأخبرته فقال: ألا كسوتها بعض أهلك فإنه لا بأس به للنساء.
📌 وقال ابن سعد أخبرنا حجاج بن نصير حدثنا علي بن المبارك قال حدثتنا أم شيبة قالت: ((رأيت على عائشة ثوبا معصفرا)).
*وقال : أخبرنا مسلم بن إبراهيم قال حدثتنا أم نصر قالت:((حدثتنا معاذة قالت: رأيت على عائشة ملحفا معصفرا)).
📌 وروى أبو بكر أبي شيبة في المصنف عن يزيد بن هارون قال حدثنا إسماعيل عن أخته سكينة قالت: (( دخلت مع أبي على عائشة فرأيت عليها درعا أحمر وخمارًا أسود))
📌 وعن أسامة بن زيد كساني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبطية كثيفة مما أهداها له دحية الكلبي فكسوتها امرأتي فقال: ما لك لم تلبس القبطية؟ قلت: كسوتها امرأتي فقال: "مرها فلتجعل تحتها غلالة، فإني أخاف أن تصف حجم عظامها.(وبالمناسبة فالمراد هنا أن يشف الثوب عن ما تحته وليس المراد منه الضيق والوسع كما فهم بعض أهل العلم).
والقبطية ثياب بيضاء، وفي الحديث: والله ما دلني عليه إلا بياضه على الفراش في سواد الليل كأنه قبطية ملقاة.
وكون البياض زينة لا يضر فالثياب من الزينة الظاهرة المأذون فيها للمرأة وذلك يشمل ألوانها، وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها لبس ما هو بلون الورد وقال البخاري: ولبست عائشة رضي الله عنها الثياب المعصفرة وهي محرمة، وقالت: لا تلثم ولا تتبرقع، ولا تلبس ثوبا بورس ولا زعفران... ولم تر عائشة بأسا بالحلي، والثوب الأسود، والمورد.
📌 وفي البخاري عن عكرمة: أن رفاعة طلق امرأته، فتزوجها عبد الرحمن بن الزبير القرظي، قالت عائشة: وعليها خمار أخضر.
📌 عن أنس رضي الله عنه أنه رأى على أم كلثوم رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم برد حرير سِيَراء.
أي فيه خطوط.
📌 وروى أبو داود عن ابن عمر مرفوعا : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم النساءَ في إحرامهن عن القفازين والنقاب، وما مسَّ الورس والزعفران من الثياب، ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب من معصفر أو خز أو حلي أو سراويل أو قميص أو خُف .
📌 قال التهانوي : وفيه دلالة على جواز لبس المراة ما أحبت من الألوان.
من الأفكار البسيطة جدا اللي مينفعش واحد يكون بيتكلم في أي موضوعات فلسفية أو دينية وهو جاهل بيها، أو مش عارف تداعيتها وتطبيقاتها:
إن نظريتك عن المعرفة ومصدر المعرفة، والأسس التي بها تكون رؤيتك الكونية وفلسفتك الأخلاقية= هو الذي ينعكس على جميع تفاصيل رؤاك وتصرفاتك.
يعني أنا بعتقد إن فيه دين حق، وإن هذا الدين الحق لا يستوي مع غيره، ولا يستوي أتباعه مع غيرهم، وهو المقدس الحق وغيره من الأديان المحرفة والفلسفات الوضعية لا يمكن الحكم على ما فيها بأنه حق إلا حكمًا تابعًا لمعيارية الدين الحق الذي أؤمن به.
ممتاز، ده هينعكس على كل حاجة، فهعتقد إن فيه حاجات تجوز لي من حيث كوني مسلما(مثلا)، وإن المصدر المقدس بتاعي أعطاني الحق فيها ولم يعطه لغيري، ونفس التصرفات دي هي هي في الصورة: هعتقد إنها لا تجوز لغيري؛ لأن دينه محرف، وليس معه مصدر مقدس يعطيه الحق فيها، وهو كمان هيعتقد العكس= بالضبط كده هو ده مجرى الحياة منذ خلق الله الناس وإلى أن تقوم الساعة.
فيه حاجات هي ممنوعة مطلقًا لا يجوز لي فعلها حتى لو هو كان بيعملها وحتى لو كنت أقوى منه وحتى لو كان هو كافر وأنا مسلم؛ لأن ديني منعني منها= زي إكراهه على الإيمان أو إفنائه مثلًا، وتنشأ الانحرافات بين أتباع الحق من تضييعهم لهذه الحدود واعتدائهم على أتباع الباطل بما لم يأذن به الله، ولذلك تبقى انحرافات يجب رفضها وقمعها لكنها لا تلغي مساحة التمييز التي للحق وأتباعه على الباطل وأتباعه.
لكن فيه حاجات أبيحت لي أمرت ألا أسوي فيها بينه وبين المؤمنين.
هتكون حربي العادلة عادلة وحربه هو اللي فاكرها عادلة= آثام وجرايم هتدخله النار.
وهيدخل معاه النار المسلم المنحرف الذي يستغل مفهوم الحرب العادلة ليعلو في الأرض ويفسد فيها، عادي مفيش صك غفران ليك عشان انت مسلم.
هتكون سلطتي في منعه من بعض الأشياء سلطة مقدسة وحقي= وهذه السلطة لو اعتقدها هتكون سلطة ظالمة آثمة لأن ممعاهوش مصدر مقدس بيها.
أنا جهاد وفتح وهما احتلال وعدوان.
آه لأن الأرض لله ومحدش معاه سلطة من الله على الأرض إلا من معهم دين مقدس سالم من التحريف.
قتلانا في الجنة.
قتلاهم في النار.
كونك بأه ممكن تكون ضعيف متعرفش تستخدم التصرفات دي، وهو يقدر= فدي برضه سنة الله في الأرض، ممكن تسكت وتعفو وتفوت، وتسيب الكفار يعبدوا الأصنام في الكعبة وانت تروح تطوف جنبها عادي= وأول ما تقدر بتدخل وبتكسرها من حوالين الكعبة، رغم إنك لما منعوك من العبادة= وصفتهم بالصد عن سبيل الله .
آه: فعلهم هم صد عن سبيل الله.
هدمي لأصنامهم: هو تدمير للشرك بالله رغم إنهم هما بيعتقدوه صد عن سبيل الله.
ده الطبيعي.
ببساطة: الله مولانا ولا مولى لهم.
وهنا السلطة القيمية في الأفعال والتصرفات مش هتكون راجعة لمين يقدر ينفذ وإنما ببساطة: لمين شايف إن معاه مصدر مقدس أباح له هذا التصرف، الفعل والقوة في تفعيل القيمة= هو اللي هيكون راجع للقدرة من عدمها مش سلطة صوابية الفعل هي اللي راجعة للقدرة، ومينفعش ترغي في الكلام ده وانت مش قادر تفهم الفرق بين الاتنين.
طيب ما كله شايف إن معاه السلطة دي ومصدره صح؟
آه. وده الطبيعي 🙂
وعشان كده فيه آخرة هتقول للي كانوا شايفين كده وهما هُبل: أهلا وسهلا بحضراتكم انتم لبستم في الحيطة وهتخشوا النار.
ييجي واحد بأه يريد إنه يحاكم التطبيقات المبنية على اللي فات ده على أساس منظومة تانية شايفة كل الناس حلوين وسواسية ويلا حبوا بعض، ولا يوجد حد معه الحق، ولا يوجد مقدس يستحق اسم المقدس، ومحدش عارف الصح فين، وربنا يولي من يصلح= ده ببساطة يبقى مش فاهم هو بيحكي في إيه أصلا.