
أحمد سالم
لا تعظموا إلا الحق، ولا تتمثلوا القيم حية إلا حياتها فيمن مات من الأنبياء والصديقين وأئمة المسلمين أولياء الله الصالحين، وتبع لهم من اتبع الحق من الأحياء، أنصف معه بلا غلو ولا بخس، فلا عصمة، ولا نقاء، ولا قدوة مطلقة لا تقع ولا تزل ولا تنقص، فإن أولئك لا يخلو منهن أحد.
غاية ما هنالك أننا في عالم مكشوف،
فأنت تطلع فيه على أبواب من النقص والزلل لم يكن الناس يطلعون قديما عليها إلا بالملابسة والمخالطة،
وكان الناس يحذرون الرجل أن يقترب ممن يحبه ويعظمه لأن اطلاعه على خاصة عيوبه قد يفسد الود،
ويجعله لا يحسن ميزان الخير والشر وينصف صاحبه= فصرنا في زماننا والناس لا يكاد يخفى عليهم إلا ما يستره الإنسان تحت جلده وأظفاره.
ومن هنا تعظم الفتنة، وتزداد مسؤولية الإنسان عن أفعاله وصورته التي قد يفسدها حتى ما لا يغضب الله؛ لأن الناس لا يتدبرون، فما بالك بفسادها بالنقص الذي يغضب الله.
لا تأذنوا لأحد يدلكم على نفسه، بل اطلبوا من يدلكم على الوحي والدين وسبيل المؤمنين، ويبرأ من نفسه،
وما دام غالب أمره خير، وليس في شره ما يوجب هجره= فخذوا إحسانه وانتفعوا به،
وأعرضوا ما استطعتم عما دون ذلك من زلاته ونقصه؛
فإن الصحابة اقتتلوا متأولين، ووقع من بعضهم ما هو بغي، فلم يمنع هذا الأمة كلها أن تحمل عنهم الدين،
وكما أن الحق مفرق، فإن النقص مفرق، ولا طمع في جيل لا دخن فيه،
وإنما يطمع الناس في دفقة نور تقتل ولو شيئًا من الظلمة التي تحتوشنا من كل مكان.
ربنا اغفر لنا ولإخواننا ولا تجعل في قلوبنا غلًا للذين آمنوا.
مقتطفات أخرى
لا شيء يضر الإنسان مثل ضعف مراجعته لنفسه، وقلة الوقت الذي يعطيه للتفكير والتأمل في واقعه، وتحديد ما يريده وما يحتاج له ليُحصل ما يريده.
الضغط المتصل المتتالي، أو الفراغ اللامبالي= كلاهما وجهان لنفس العملة، ويؤديان لنفس النتيجة: أن يسير الإنسان خبط عشواء، ويحترق عمره في أيام يشبه بعضها بعضًا، ومقدمات مكررة تقود لنتائج مكررة.
من يريد أن يفرح بلقاء ربه= لا بد أن يُعد جيدًا لهذا اللقاء، وألا يُضيع عمره هباء.
في فترة العبودية في أمريكا: زنجي البيت وزنجي الحقل، زنجي الحقل يعتني بسيده، فإذا خرج زنوج الحقل عن الطابور= كان زنجي البيت يمسكهم، ويسيطر عليهم ويعيدهم إلى المزرعة، وكان يستطيع ذلك لأنّه كان يعيش أحسن حالاً من زنوج الحقل،؛كان يأكل أحسن منهم، ويلبس أحسن منهم ويسكن في بيت أحسن ،كان يسكن فَوق بجوار السيد في الدور العلوي، أو السفلي. كان يأكل نفس الطعام الذي يأكله السيد، ويلبس نفس اللباس، وكان قادراً على التكلم مثل سيده بأسلوب وبيان جيد. وكان حبه لسيده أكثر من حب السيد لنفسه؛ ولذا لا يحب لسيده الضّرر، وإذا مرض السيد قال له: ما المشكلة سيدي؟ (أمريض نحن)؟!
وإذا اشتعل حريق في بيت السيد، حاول أن يطفئه؛ لأنه لا يريد أن يحترق بيت سيده، لا يريد أبداً أن تتعرض ممتلكات سيده للتهديد، وكان يدافع عنها أكثر من مالكها. هكذا كان زنجي البيت.
ولكن زنوج الحقل الذين كانوا يعيشون في الأكواخ، لم يكن لديهم ما يخشون فقدانه، فكانوا يلبسون أردأ اللباس ويأكلون أسوأ الطعام ويذوقون الويلات ويُضربون بالسوط، وكانوا يكرهون سيدهم بشدّة، فإذا مرض السيد يدعون الله أن يموت، وإذا اشتعل حريق في بيت السيد، كانوا يدعون الله أن يرسل ريحاً قويّة!