أحمد سالم
أراد رجل أن يتفرغ لطاعة الله فقال: وددت لو أني تركت الأسباب وأعطيتُ كل يوم رغيفين، فابتلي بالسجن وكان ترتيب السجن من الزاد: كل يوم للسجين رغيفان.
وسمع من يقول له: طلبت منا كل يوم رغيفين، ولم تطلب منا العافية، فأعطيناك ما طلبت.
لا يستطيع الإنسان أن يستغني عن سؤال الله تفاصيل حاجاته الدنيوية، فنفسه معلقة بالعاجلة، وبما يعجبه، ويغفل الإنسان عن أنه ليس كل ما يعجبه ينفعه.
ورسول الله يقول: ((اتقوا الله وأجملوا في الطلب))، ومن الإجمال في الطلب منزلة يُرجى أن يترقى لها العبد وفيها يقل طلبه للتفاصيل الدنيوية ويتعلق بأدعية الوحي وما فيها من قلة التفصيل للأسباب والأغراض، ويكل أمره إلى الله يكتب له الخير حيث شاء.
مقتطفات أخرى
هناك سبب منطقي وطبيعي وإنساني للغاية، في شيوع فكرة (غدر الصحاب) وكونها محتوى مضمون كفيل بجذب الانتباه؛ لذلك يحرص عليها صانعو الأغاني الشعبية.
الغدر وقلة وفاء من أحسنت إليهم، وما يصيبك من وراء ذلك من الإحباط وخيبة الأمل= أمر ثقيل جدًا ممض للنفس ومرهق للروح، جرح قلب نازف فإذا ما اندمل لم يزُل ألمه إلا قليلًا.
لعله لأجل ذلك عظم إثم النساء بكفران العشير؛ لأن الرجل حقًا يحمل مسؤولية عظيمة جدًا وثقيلة جدًا، فإذا ما قوبلت بالكفران= لم يكن لألم ذلك مثل.
وإذا ما نجاك الله من كفران من أحسنت إليه، لم تنج من قلة شكره لك؛ لأجل ذلك يصد الناس عن الإحسان فإن فيه معاندة للهوى، فإذا كان جزاؤها الكفران قلت دواعي الإحسان في النفس.
ولأجل ذلك كله، من يبق على جميل طبعه محسنًا للناس صابرًا عليهم مستلهمًا الأجر من ربه= فذاك مرابط على ثغر قل حماته وعز من يطلبه ويقوم عليه ويؤديه حقه.
((معرفة أني لن أستطيع الحصول عليك مؤلمة، لكن تجربة الوقوع في حبك كانت تستحق كل ألم)).
قلت: وأصل ذلك أن الحب وإن انتهى إلى خيبة أمل ووجع وألم= فهو يرقق الطبع ويُرهف الحس، ويصل الإنسان باحتياج التعلق الذي هو مدار المحبة، والمحبة مدار خلق الكون كله، وأساس الصلة التي تكون بين العبد وربه، فإذا تلامس الإنسان مع هذا الجزء من نفسه قاده التوفيق إلى رقة النفس وصلة ربه، وليس كما يظن الناس أن التعلق يحول بينك وبين ربك، يحول التعلق بينك وبين ربك إن شابه الحرام، أو غلوت فيه فأنساك ذكر ربك حتى يتوارى أوان العبودية بالحجاب.
خذ رقة النفس ورهافة الطبع التي أعطاك إياها هذا الحب، وانتفع بها، واعلم أن هذا الألم على حدته وتلك الخيبة على شدتها= في باطنها رحمة تستحق خوض ما قد كان.