أحمد سالم

أحمد سالم

مفيش رجل بيحول حياة ست لجحيم إلا بعد استقرار شيء أساسي في نفسه: إن بقاءها معه أمر واقع ومحتوم ومش هتقدر تروح في حتة ولا هتلاقي حد يحميها منه.

المجرمون يخافون ولا يختشون، بمعنى: يخافون من غيرهم ولا يوجد وازع أخلاقي داخلهم.

وهذا الواقع الأسود شريك فيه المرأة نفسها التي تستسلم للظلم والإهانة والاعتداء عشان تاكل وتربي عيال غالبا بيطلعوا مرضى نفسيين، أو على الأقل تملؤ ندوب وألغام أرضية قابلة دائمًا للتفجر والفساد.
وشريك فيها أهلها اللي بيتخلوا عنها ومش عاوزين يتحملوا مسؤوليتها وشايفينها لو اتطلقت عبء عليهم.
وشريك فيها مجتمع مريض عاجز عن حماية نفسه من عمليات تكاثر المشوهين نفسيا، وشريك فيه دولة هشة عاجزة عن توفير نظام قضائي حاسم وعدالة ناجزة تحفظ حقوق الناس.

وإن أحد الإشكاليات الأساسية في كل ما يتم طرحه في العالم العربي حول المشكلات الزوجية هو استبعاد خيار ‍الطلاق.

الآن حتى تصل الفكرة كما أريدها بالضبط سأرتبها في ثلاث نقاط:

الأولى: كل الأدبيات التي يتم طرحها حول صبر الزوجة واحتسابها وصبر الزوج واحتسابه، وجبر السيئة بالحسنة، وألا يفرك مؤمن مؤمنة، كل ذلك إنما هو حيث تغلب الحسنات السيئات، وحيث يكون الأصل عند كل طرف هو احترام الطرف الآخر وتقوى الله فيه، وحيث يكون الفساد الواقع راجع لنقص التجربة وسوء الفهم وليس لفساد المعدن.
وبالتالي فاستحضار هذه الأدبيات وصبها في مسامع زوجة ترزح تحت نير رجل ظالم يسومها سوء العذاب، أو صبها في مسامع زوج ابتلاه الله بامرأة سوء= هو نوع من العبث لا علاقة له لا بالدين ولا بالإصلاح ولا بأخلاق حسن العشرة.

وهناك ألوان معينة من العيوب مثل البخل الشديد المضر بالنفقات الضرورية، ومثل قلة الحياء والتبذل المحرم للرجال= تكون الوصية بالصبر والاستمرار فيها لونا من العبث أيضا لا يقرره نظام عشرة سوي كقاعدة له، حتى ولو كان لدى الطرف المصاب بهذا حسنات أخرى، وغاية ما يتاح هو طرح الصبر والعلاج كخيار إن شاء اختاره وإن شاء طلق، خاصة عند وجود الحب الذي يُعجز صاحبه عن الفراق.

ثانيًا: ‍الطلاق حل مشروع وحل ناجع اعتبرته الشريعة، وليس أبغض الحلال فلا يصح في وصفه بذلك حديث، وقد طلق رسول الله ثلاث مرات، وهو الخيار الأساسي في الحالات التي ذكرتها في النقطة الأولى، وهو خيار أساسي في حالات أخرى أقل حدة تتعلق بأن تبغض المرأة الرجل أو يبغض الرجل المرأة بغضا يؤدي وجوده لتضرر العلاقة جدا، ولا علاقة له بنقص الدين والدنيا، ولكنه بغض نفسي وتنافر قلبي.

والتصور الاجتماعي الإسلامي إن تم تطبيقه بكافة عناصره سيكون للطلاق سيولة داعمة، وروافد مساعدة وفرصا خادمة= تقلل كثيرا من الأضرار الاجتماعية التي نراها الآن وتجعل ‍الطلاق خيارا عسيرا، لذلك ف‍الطلاق كنظام يقع وسط نسق الأنظمة الاجتماعية الإسلامية: فيه من اليسر والسيولة ومساعدات التطبيق ما يجعله يُكون مع شروط اختيار شريك الحياة وأدب العشرة المقرر في الوحي= نموذجا أكثر إنسانية وواقعية من اختبار العلاقة بالزنا المتكرر حتى الاستقرار على شريك مناسب للحياة كما هو النموذج الغربي والذي يلوح فشله وقلة جدواه لأي ناظر في نسب ‍الطلاق في الغرب مع الفساد الكبير لعلاقات الأخدان هذه.

ثالثاً: بما إن التصور الاجتماعي الإسلامي تم انتهاك فرص تطبيقه من قبل جهات شتى، بات الكلام عن ‍الطلاق وسهولته ويسره، بمثابة حل منزوع من سياقه ومن أدواته الخادمة، وبالتالي يبدو كلام من يستبعدون ‍الطلاق من الحلول= كلاما أكثر واقعية ومنطقية يعيبه فقط أنهم لا يُظهرون وربما لا يفهمون أن هذا الكلام ناتج عن تغيرات اجتماعية واقتصادية وليس هو الأصل، والكلام عن ‍الطلاق كأنما هو كارثة، لابد أن يظل مقيدا بكونه كارثة نتيجة للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية وإلا فهو حل اجتماعي ممتاز في كثير من الأحيان لولا معوقاته التي جرت بأيدي الناس، وبالتالي فهناك حالات كثيرة يجب فيها ترجيح قرار الطلاق وتحمل المعوقات، ويجب فيها السعي المجتمعي لتخفيف المعوقات.

والواقع أن هناك درجة معينة من التأثر بالمسيحية وموقفها من ‍الطلاق يشيع في تصورات الكثيرين دو أن يشعروا، العلاقات في التصور الإسلامي قائمة على سهولة الدخول فيها وسهولة الخروج منها إن تعسرت العشرة.

النبي صلى الله عليه وسلم طلق زوجة من زوجاته بمجرد أن بدا منها درجة يسيرة من درجات عدم قبول العشرة.

كل أب وأم لا يقفون جوار ابنتهم حين تتعرض للظلم والاعتداء من طاغية مفسد= فهم آثمون إثما عظيمًا.

الخلاصة: معظم ما يتم طرحه عن العشرة الزوجية من خطاب إصلاحي: إنما هو خطاب لقوم أصحاء يتقون الله، تقع منهم جوانب نقص وتقصير وضعف في التجربة ‍الإنسانية، فيتم خطابهم للترشيد والإصلاح.
أما الظلمة الفجرة وأهل العيوب الكارثية فإنما تؤمر المرأة/الرجل بالصبر إن كان الفراق أشق عليها وأكثر فسادا، والصبر هنا خلق ضرورة وليس من أخلاق حسن العشرة، وإلا فاستحضار خيار ‍الطلاق مهم خاصة إذا كانت تجربة الزواج في بدايتها.

ولكل رجل يريد تحقيق معاني الرجولة أقول: كل من له امرأة داخل دائرة رحمه ومحارمه= كن رجلًا وقف بجوارها بما استطعت إن تحققت أنها تتعرض لظلم واعتداء فاسد، لا أقول زين لها الطلاق، ولكن أقصد أشعرها وأشعر ظالمها أن خلفها رجال.

وكقاعدة عامة في كل التصورات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية الموجودة في الوحي وتجارب السلف= في هذه التصورات خير كثير جدًا حتى ما كان منها تجربة إنسانية قابلة للتغير، لكن سواء الثابت منها أو المتغير: لابد من فقهها داخل سياقاتها وداخل بنيتها الداعمة والمتكاملة، وانتزاع جزء منها من سياقه وتطبيقه دون بيئته الداعمة سيؤدي لفساد كبير، كما أن الغفلة عن الأجزاء الثابتة من هذه التصورات وعدم تدبر الحكمة فيها، واستبدال تصورات مغلوطة معاصرة بها وجعلها خطابا أساسيا كما يقع من تبغيض ‍الطلاق تبغيضا زائدا= يؤدي لفساد كبير أيضًا.

مشاركة

مقتطفات أخرى

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «ما من غازيَةٍ أو سَرِيَّةٍ تغزو فَتَغْنَم وَتَسْلَمُ إلا كانوا قد تَعَجَّلُوا ثُلُثَي أُجُورِهِمْ، ومَا من غَازِيَةٍ أَوْ سَرِيَّةٍ تُخْفِقُ وَتُصَابُ إِلاَّ تم أُجُورُهُمْ».

لا يخبرنا هذا الحديث فقط بأن النصر والغلبة الدنيوية ليست هي مدار العمل والأجر، بل أبلغ من ذلك يخبرنا أن تمام الأجر يحدث مع الإخفاق والهزيمة، وذلك لأن المنتصر يرى بعين الشهادة ما يرضي نفسه ويثبت إيمانه، أما من أخفق وانهزم فهو ثابت على إيمانه بالغيب يرجو وعد الآخرة.

والنصر له ألف أب يدعونه وينتسبون إليه ويظنون معه صحة ما هم عليه، ويغنمون من الدنيا ما يحل لهم لكنه يكون جزاء معجلًا لا يستوي مع من أجل جزاءه ليوم الحق المشهود.

أما أولئك الراسخين الثابتين على الرغم من غياب النصر الدنيوي فأولئك يتم إيمانهم ويتم أجرهم.

وفي هذا المعنى يقول عبد الرحمن بن عوف: ((قُتِل مُصعب بن عمير رضي الله عنه وهو خيرٌ مني، فلم يوجد له ما يُكفَّن فيه إلا بُردة إن غُطِّيَ بها رأسه بَدَت رِجْلاه؛ وإن غُطِّيَ بها رجلاه بدا رأسه، ثم بُسِط لنا مِنَ الدنيا ما بُسِط، أو قال: أُعْطِينا من الدنيا ما أُعطِينا، قد خَشِينَا أن تكون حَسَنَاتُنا عُجِّلَت لنا، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام)).

وإن أعظم غيب آمنت به= غيبٌ تكون في شهادته راحةُ نفسك؛ فإنك إن صبرت على ألمِ الغيب وآمنت به، ورضيت أن تَبقى مؤمنًا به وهو غيب لم ترى شهادته بالنصر وعقوبة الظالم في الدنيا، رغم أن راحتك في شهادته وأن تنال العافية وتشتفي من ظالمك= كان لك من أجر المؤمنين بقدر صبرك وألمك، ما لا يكون لمن شهد هذا الغيب فأراه الله ما يشفي صدره في الدنيا.

اقرأ المزيد

يتعلم الإنسان أشياء كثيرة عن نفسه وعن الناس وعن العالم، لكن قدرته على السيطرة والتحكم لا تتناسب أبدًا مع هذه المعرفة فهو لا يسيطر سوى على القليل جدًا، فتظل دائرة المعرفة تتسع ودائرة التحكم تضيق، ومن هذا التباين يتولد واحد من أعظم التحديات الإنسانية:

كيف تجمع نفسك على ما هو داخل دائرة تحكمك، وكيف تقطع طمعك عما هو خارج دائرة تحكمك؟

كيف تقبل أن تعرف وتعجز عن التأثير، أن تعلم وتعجز عن التغيير، كيف تقبل محدوديتك وتتصالح معها؛ لتستطيع صرف طاقتك إلى ما سيسألك الله عنه حقًا؟

بسبب هذا تجد الشخص يتقطع حسرات على فلان يريد أن يغيره أو حتى على العالم يريد أن يصلحه، ثم هو يضيع ما بين يديه من فرص تغيير نفسه، أو يهمل غرس تلك الفسيلة التي بين يديه.

ومن عبارات السلف التي تحاول تقديم خلاصة للتعامل مع هذا التحدي، قولهم: لا تتولوا ما كفيتم ولا تضيعوا ما وليتم.

وفي دعاء السكينة: اللهم امنحني السكينة لأتقبل الأشياء التي لا أستطيع تغييرها، والشجاعة لتغيير الأشياء التي أستطيع تغييرها، والحكمة لمعرفة الفرق بينهما.

اقرأ المزيد