
أحمد سالم
في صحيح مسلم من خبر نبينا وزوجه عائشة : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً سهلاً، إذا هويت الشيء تابعها عليه.
لا شك أن الوصول إلى صراط مستقيم في توازن العلاقة بين الرجل والمرأة= صار شيئًا عسرًا.
فلدينا رجال يظنون أنهم سيتزوجون أمًا تسهر على رعايتهم وليس زوجة تؤدي واجبها وتنتظر حقها.
ولدينا نساء شوهت الرجولة في نفوسهم بقدر ما شوهت الأنوثة فلا يحفظون حقًا ولا يرعون حرمة القوامة التي كتبها الله للرجل.
ومن رزقه الله الاعتدال وسواء الفطرة فقد نجا من هذين النمطين لكنه يعيش على خوف أن يُبتلى بأحدهما فيفسد العلاقات حينها هواجس المرأة التي تخشى استبداد الرجل وتعنته، وهواجس الرجل الذي يخشى تأثر المرأة بالنسوية المنحرفة.
ولا شيء أحسن وأهدى إلى الخير من الصراحة والوضوح فتُظهر المرأة احترامها للرجل ولحقه في القوامة لكنها تسأله أن يُظهر لها بالمقابل أنه يعقل معنى القوامة وأنها مسؤولية وتكليف وليست استبدادًا وتعنتًا وشهوة سلطة.
والحديث الذي صدرت به كلامي هو وأشباهه = أظهر وأصح وأشهر مما يتداوله الناس في هذا الموضوع، وأنصار الذكورية الجاهلية يسمون الرجل يطيع زوجته بأسماء سوء، بينما نحن نرى خير الخلق وسيدهم لا يشعر بالتهديد من زوجه، ولا تٌُشعره زوجته أنه في صراع سلطة معها، وذاك الزواج هو زواج المودة والرحمة الذي يحبه الله، ولو جعل الناس بيوتهم كبيت رسول الله لما احتاجوا لوضع الآيات والأحاديث في غير مواضعها، حتى صار الشرع بتوظيفه المنحرف عذابًا يشبه عذاب الدول المستبدة التي يثرثر شيوخها حول طاعة الله والرسول وأولي الأمر.
وقد وصف عمر بن الخطاب الأنصار بأنهم تغلبهم نساؤهم فمن ذا يضارع رجولة الأنصار ؟!
مقتطفات أخرى
الذكورة مسألة فسيولوجية بالدرجة الأولى، أما الرجولة فهي مفهوم ثقافي اجتماعي يتم بناؤه فوق الأساس الذكوري الفسيولوجي، والذين يقومون بالبناء هم الأسرة القريبة متمثلة في الوالدين وصولًا إلى الثقافة الكونية والقومية والوطنية، مرورًا بالعائلة والمدرسة والجيران والأصدقاء والأقران والرموز المجتمعية مثل لاعبي الكرة والممثلين وحتى الشيوخ والقساوسة..
وهذا الخليط الثقافي المعقد يخط كلماته بحروف متشابكة غير متناسقة فوق هذه البنية الذكورية، ويختلف تأثيره باختلاف الاستعدادات الوراثية وأهمية دور الشخص المؤثر وطبيعة الظروف المحيطة بعملية التأثير..
ومحتوى هذا الخليط لا يختلف بسبب اختلاف الأشخاص المقدمين له فقط وإنما يختلف بسبب اختلاف مرجعياتهم وتأويلاتهم لتلك المرجعيات..
المجتمع الغربي مثلا يتعامل مع ثلاثة أطر رئيسية للرجولة:
الأول: الرجولة في نطاق التهذيب المدني، والذي تأثر بأحداث الحرب العالمية مرورًا بالهجمة النسوية والانشغال الأبوي الطاحن ليكون نوعًا من التهذيب الأنثوي للرجل (وهذه النسخة منتشرة في العالم العربي فكثير من أشكال تهذيب الذكر تجعل منه إلى حد كبير مجرد فتاة مطيعة).
الثاني: ما يقدمه الجيش والنسخ المتفرعة منه وهي نسخة قاسية مسطحة وكان لها أثر كبير على الثقافة القيادية للشركات، وعلى عكس ما يظن الكثيرون فهذه النسخة لم تنتقل للجيوش العربية.
الثالث: ما يقدمه الشارع من تصورات عن الرجولة وهي قريبة إلى حد كبير من ثقافة الغابة.
في المقابل توجد محاولات غربية لاستعادة وبناء وتفعيل نمط صحي للرجولة خاصة من جهة بعض التيارات الكنسية..
في المجتمعات العربية، ونتاج تاريخ طويل لعلنا نرجع به للعسكرة المأجورة خاصة بداية من المماليك وتحول الشعب إلى فلاحين خاضعين لحكم عسكري، ثم احتكار العنف وسياسة التدجين المجتمعي للدولة الوطنية الحديثة= فلا يوجد أي برامج عملية أو طقوس انتقالية لغرس الرجولة وتنميتها، ولا يوجد أي أثر تقريبًا للدين أو الثقافة العربية القديمة كمصدر لمفاهيم الرجولة، بالعكس يتم الكذب على الدين لدعم تصورات شعبية قبيحة وسطحية وادعاء أنها رجولة، وهذه التصورات الشعبية المهترئة لا تملك حتى تماسكًا يسمح بتصنيفها كما صنعنا ما الأنماط الغربية، بل هي مجرد شذرات صحيحة بصفة عامة أحيانا مثل (الرجل ما يمدش إيده على ست) وفاسدة أحيانا مثل (الرجل ما بيعيطش) وحمقاء أحيانا مثل (الرجل ما بيطولش شعره).
بالتالي فلا يوجد أنماط متماسكة حتى لو خاطئة، وبالتالي فالذي لدينا هو نمط مشوه من شذرات متفرقة، ولا يوجد أي نموذج مفاهيمي فضلا عن أن توجد برامج إجرائية واقعية لغرس الرجولة وتنميتها..
والنتيجة هي أننا نشترك مع العالم في وجود النمطين المشوهين الأساسيين للرجولة، ثم نتفرد كالعادة بعدم وجود معالم للنموذج الصحي للرجولة..
والنمطان المشوهان هما:
(1) السمات النسوية التي قد لا تصل لحد التخنث الشكلي، لكنك لا ترى معالم للسمات الرجولية المركزية بل ترى نسخة خشنة قليلا من الفتاة المهذبة، الاعتمادية نسبيًا الحريصة نسبيًا المتحفظة نسبيا الهشة نسبيًا (وهي كمالات في النساء ونقص في الرجال).
(2) البلطجة والتسلط على الضعفاء واحتقار النساء والبطش والاعتداء واعتياد الفحش، وأصل بتستفز رجولتي، والأشكال القذرة المدعومة بالمجانص ومرايات الجيم في محاولة بائسة لاستعراض رجولة فارغة لشخص مهزوم.
وأنت إذا تصفحت سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع النساء عمومًا وآل بيته خصوصًا فلن تجد على لسانه ولا في أفعاله أي شيء يشبه حماقة هؤلاء البلطجية؛ لأنه كان رجلًا حقًا عليه الصلاة والسلام، بل سيد الرجال وأكملهم.
وأول الطريق لبناء تصور سليم وتفعيل ممارسات صحية للرجولة= يبدأ من استعادة سيرة رسول الله وجعلها معيارًا تبنى حوله لبنات مستفادة من سيرة أصحابه ومن أخبار العرب في الجاهلية وصدر الإسلام، ثم استخراج معالم برامج عملية متفرعة من تلك السيرة القديمة لأولئك الرجال النبلاء..
لو لم نسلك هذا الطريق فسنظل أسرى للتهذيب المنزلي الأنثوي الطابع والذي يولد على جانبيه نموذج التخنث الطري، ونموذج البلطجة في شكلها المدني من مجرمين الشوارع إلى شرطة اعتقال النساء وتهريب المغتصبين، وفي شكلها الديني متمثلة في الشيخ مجانص وتلاميذه الذين يرون في التحرش شكلًا من أشكال تحقق الرجولة..
الضعفاء الذين لا يجدون إلا جهدهم.
الأخرق قليل الحيلة الذي بذل وسعه فلم يطق أكثر من هذا.
الطيبون الذين جعل الله نصيبهم من ذكاء العقل زكاء في النفس.
أولئك تدهسهم عجلة المادية، فلا مكان للضعيف هاهنا.
لكنهم في ديننا: من أبواب الجنة، ومن خير من تصاحبهم في الدنيا فينفعوك في الآخرة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟»
قيل لرسول الله: أفرأيت إن لم أستطع بعض العمل؟ قال: فتعين ضائعا، أو تصنع لأخرق.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقال للرجل: ما أجلده؟ ما أظرفه؟ ما أعقله؟ وما في قلبه حبة خردل من إيمان.
الأشعث الأغبر المدفوع بالأبواب.
الذين تزدري أعينكم.
الضعفاء منكم.
المهمشون الذين لا يؤبه لهم ولا يؤذن لهم ولا تسمح الدنيا ببزوغ نجمهم، لكن حسبهم أن الله عرفهم.