أحمد سالم

أحمد سالم

هناك دافع خفي يقف خلف رغبة الإنسان الملحة في أن يعفو عنه ظالمه؛ الدافع الظاهر هو التحلل من المظلمة فيسقط حق العبد وتبرأ الذمة منه قبل يوم الحساب.
أما الدافع الخفي فهو أن المخطيء قد ربط راحته ورضاه وسكون شعوره بالذنب= بأن يعفو عنه صاحب الحق، فطالب المسامحة في الحقيقة يبحث عن راحته ومصلحته ولا يبحث عن راحة ورضا صاحب الحق، وذلك في الحقيقة محاولة للتحكم بما هو خارج دائرة التحكم، فالذي يقع داخل دائرة تحكمك هو أن تتوب وتعتذر وتطلب المسامحة، أما أن يُجيبك صاحب الحق إلى ذلك فلا يقع هذا تحت داخل دائرة تحكمك، وتعلقك به مدخل للتعاسة وإفساد العيش.

ومن بديع تنبيهات شيخ الإسلام أنه يصرف العبد إلى ما يقع داخل دائرة تحكمه فيوصي المؤمن بأن: ((يكثر من الحسنات ليوفي غرماءه وتبقى له بقية يدخل بها الجنة)).

 وفي ذلك فسحة لأصحاب الحقوق فليست وظيفتهم أن يريحوا من ظلمهم، بل وظيفتهم أن يريحوا أنفسهم فمتى لم تطب نفوسهم للمسامحة فلا ينبغي عليهم تكلفها، إلا إن استطاعوا إدارة مشقة ذلك التكلف.

مشاركة

مقتطفات أخرى

مهما بلغت شراسة الفنون القتالية فإنها جميعًا تشترك في اشتراط القتال الشريف بلا خسة ولا غدر.

لما ابتكر جيش الاحتلال فنًا قتاليًا وهو الكرافاماجا، ابتكروه فنًا يستهدف المناطق الحساسة في الجسد، وهو الفن الوحيد الذي يبيح مباغتة الخصم والغدر به وضربه من الخلف.

حتى الفنون القتالية تكشف عن الدناءة والخسة المتأصلة والعريقة في هذا الجنس الحقير المغضوب عليه.

اقرأ المزيد

لأجل ذلك لن تنتهي الحكاية أبدًا:

البسوس بنت المنقذ خالة جساس بن مرة وصاحبة الناقة التي أصابها كليب بن ربيعة بسهمه في ضرعها فخرت مقتولة قد اختلط دمها بلبنها.
كليب هو صهر جساس وزوج أخته، وقد أصاب هذه الناقة التي كانت في جوار الجساس حقدًا على تكرار زوجته لذكر مناقب إخوتها.

انتصر جساس لخالته والتي كانت ناقتها في جواره= فقتل كليب بن ربيعة.

الجليلة أخت جساس أرملة كليب، أخوها قتل زوجها، لكن ما باليد حيلة، انتقلت لتقيم لدى أخيها، وكانت قد حملت من كليب قبل موته بولد ولد بعد وفاة أبيه سمته الجرو، فهو الجرو بن كليب، يُربى الان في بيت خاله الجساس الذي قد قتل أباه.

والجليلة هذه هي التي يقول عنها أمل دنقل:

لا تصالح
ولو ناشدتك القبيلة
باسم حزن "الجليلة"

لما كبر الجرو، أدرك أنه يربى في بيت خاله قاتل أبيه، وحينها قال بيته المشهور:

يا للرجال لقلب ماله آس ... كيف العزاء وثأري عند جساس

ثم حانت للجرو فرصة في أحد مجالس صلح حرب البسوس، فقام الجرو فطعن جساساً وهو يقول: وفرسي وأذنيه وناصيته وعينيه ورمحي وطرفيه وسيفي وشفرتيه:

 لايدع الرجل قاتل أبيه ينظر إليه.

اقرأ المزيد