أحمد سالم
عن يونس بن عبد الأعلى قال: ما رأيت أحداً لقي من السقم ما لقي الشافعي، فدخلت عليه يوماً فقال لي: يا أبا موسى! اقرأ علي ما بعد العشرين والمائة من آل عمران: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [آل عمران:١٢١] إلى آخر السورة، وأخف القراءة، ولا تثقل. فقرأت عليه، فلما أردت القيام قال: لا تغفل عني، فإني مكروب.
مقتطفات أخرى
يقول الله لنبيه: الذي يراك حين تقوم.
يعبد النبي ربه لأن هذا هو ما يليق به، ولأنه يحب أن يكون عبدًا شكورًا.
لكن النبي عليه الصلاة والسلام، مثله مثل كل إنسان يُحب أن يُرى في نفسه ويحب أن يُرى عمله، فالله يقول له: إنه يراه، ولأجل ذلك قال الله: قل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون.
ليس أثقل على الإنسان مثل أن يكون مهملًا منسيًا، وليس أثقل عليه من أن يُجحد فضله ويُكفر صنيعه.
ما أشق وأصعب أن نكون غير مرئيين.
ولأجل ذلك كله كان من أسماء الرب سبحانه (الشكور) فهو يسمع ويرى ويشكر العمل ويحمد الصنيع، ولن تكون عنده أبدًا غير مرئي.
ويوم ظن رجل من أصحاب رسول الله أنه لدمامته يكون كاسدًا لا قيمة له، قال له رسول الله: ولكنك عند الله لست بكاسد.
كلنا نحتاج ممن حولنا أن نكون لديهم مرئيين، وأن يقول لنا من نحبهم: نحن نرى بذلكم وحسن صنيعكم، نحن نرى معارككم ومشاق حياتكم، نحن نرى ضعفكم وعذركم وجهادكم، نحن نراكم.
تقوم فكرة القانون (حقي وحقك) والسلطات المتصلة به على وجوب وجود معيار أعلى من المتنازعين يتحاكم إليه المتنازعون للفصل بين أهوائهم وما يمكن أن تقودهم إليه تلك الأهواء من صراعات.
معيار يملك الإجراءات اللازمة لسلامة وسلاسة عملية الحكم والتحاكم والقوة الضرورية للإنفاذ والإلزام، ويصدر هذا كله في الوقت نفسه عن منظومة قيمية رشيدة.
لا يمكن الاتكاء على التراحم لإدارة النزاع بين الناس، فالإنسان ظلوم جهول شحيح ويُحسن أن يُلبس كل آفاته تلك لبوس الحق والتقوى.
ولا يمكن في الوقت نفسه الاستغناء عن التراحم والاعتماد على منظومة القانون والحقوق والسلطة فحسب؛ لأن أية معركة يخوضها القانون تجاه الشر الإنساني سيكون القانون هو الخاسر فيها.
التشريعات الإلهية القضائية (حقي وحقك) للحياة عمومًا وللحياة الأسرية خصوصًا لا تخرج عن نفس هذا النسق، التشريعات فاصلة عند النزاع، لأن أي تنازع لابد له من نقطة حمراء للفصل؛ فالناس لن يستطيعوا دائما الوصول لحلول وسط تفاوضية تراحمية.
القانون هو الضابط عند عدم التراحم، لكن عيش الناس إن لم يقم إلا بالقانون وقبضة السلطة= فهذا معناه فقدانهم للتراحم وسيطرة نزعة الشر الإنساني على ضمائرهم بدلًا من خيرية الإيمان وسماحة الأخذ والبذل.
فإذا كان الزواج عبارة عن نزاعات متتالية تحتاج دائمًا للنقاط التعاقدية القانونية الفاصلة ولا يستطيع الزوجان بالقدر الكافي للمودة أن يتحلوا بمرونة التنازلات المتبادلة تارة والحلول الوسط تارة أخرى، والحب وعشان خاطر من نحب تارات كتير= فهذا زواج غير صحي، ولا يختلف عن أية حلبة من حلبات المصارعة الحرة التي شعارها: ليؤذي بعضنا بعضًا ولكن في حدود القوانين.