مؤتمر الشيشان: درس في البصيرة الضالة

أحمد سالم
المؤلف

أحمد سالم

مفكر وباحث في الدراسات الإسلامية والاجتماعية

مؤتمر الشيشان: درس في البصيرة الضالة

((البلاهة أدنى إلى الخلاص من فطانة بتراء، والعمى أقرب إلى السلامة من بصيرة حولاء))
أبو حامد الغزالي

(1)

من المشاهد التي لا تنسى فيما صورته السينما لنا= مشهد عمر المختار مع مفاوضيه الطليان، كما صوره فيلم أسد الصحراء للمخرج الراحل مصطفى العقاد.

أحد الجمل الحوارية العبقرية في هذ المشهد حين يقول المفاوض الإيطالي له: ((ولكني أعلم دينيًا أن قرآنكم لا يخول لكم دخول حروب لا تقدرون كسبها)).

فيرد عليه عمر المختار: ((أراك ستأول لنا ديننا؟!)).

لعله قدر هذه الأمة، أن يعلمها السفاحون من المستعمرين وورثتهم أمر دينها، لكن هل قدرها أن تخلو من مثل من يجيبونهم كما أجابهم عمر المختار؟
هل قدرها أن يتصدر فيها من يتحولون لأدوات بأيدي السفاحين؟
هل قدرها ألا يتدبر أهل النوايا الحسنة موطأ أقدامهم؟

بعض حسني النوايا ممن ذهبوا لمؤتمر هذا السفاح باحثين عن مفاتيح للوحدة الإسلامية، قد تعجبوا من ردود الأفعال، يتساءلون ما الفرق بين هذا وبين مؤتمر يعقد في أية دولة غربية أو حتى عربية من البلاد المحكومة بحكومات مستبدة؟

والحقيقة أنه سؤال مشروع، لكن لا أرى أنه يحتاج لجهد في الإجابة، قليل من التفكير في السياقات الزمانية والمكانية والوقائع وأسماء الحضور= كان كفيلًا بالخروج بجواب واضح لا ينبغي أن يعقبه سوى الاعتذار عن التورط في مثل هذا.

المؤتمرات تعقد كل يوم في طول وعرض العالم، ولا تتعدى استضافة الدول لها في كثير من الأعيان أكثر من نشاط ثقافي برعايات شرفية، ولن تجد أحدًا يلومك أو ينفي سواغ تصرفك في حضور مثل هذا إلا إن كان مهووسًا.

لكن سفاح غروزني لم يستضفكم استضافة شرفية، اجتماعكم ليس شرفيًا، وهذه الأسماء الحاضرة كثير منهم ممن لا تُرجى منه وحدة ولا سعي إليها، وتوهم شيء من هذا هو ضرب من البصيرة الضالة لا غير.

(2)

والحقيقة أيضًا أن البيان الختامي للمؤتمر لا ينبغي أن يكون إشكالًا جديدًا يستحق التفاعل معه، بل هو متسق مع التحقيق الكلامي الذي يقتضيه مذهب الأشاعرة، وهو متسق أيضًا مع طريقة نظر السلفية للأشعرية، وليس في البيان الختامي إخراج للسلف حقًا من وجهة النظر الأشعرية بل هو فقط إخراج للسلفية المعاصرة والتي تعد من وجهة نظرهم غير ممثلة للسلفية الحقة، والسلفية الحقة الممدوحة عند الأشعرية هي باعتبار نهج السلف نهجًا تفويضيًا وهو اتجاه تقره الأشعرية.

فالحقيقة أن البيان الختامي مشكل فقط على طريقة من يحاول دمجًا لا تقره عليه لا الأشعرية ولا السلفية، فالإرث التاريخي الأشعري لا يرى السلفية المعاصرة إلا ممثلة للتيمية التي هي بدعة وضلالة لا تمثل قول أهل السنة، والإرث السلفي التيمي لا يرى الأشعرية ممثلة لأهل السنة في مسائل الاعتقاد إلا باعتبارات جزئية ونسبية، وهي الاعتبارات التي يضعف استحضارها عند السلفية المعاصرة فيشيع فيهم الإخراج الصريح للأشعرية من أهل السنة.

وكلا الطائفتين صريح في هذا إلا من يداري فيه، أو يضع عبارات إدخال السلفية التفويضية في أهل السنة على أن المقصود بها السلفية التيمية وامتداداتها المعاصرة، أو يتوسل بعبارات غير محققة لعقيدة الطرفين وإن أطلقها بعض المتأخرين.

وبالتالي إذا خلينا عنا المجاملات والمداورات والتوفيقيات= فكل قطار يسير في طريقه لا جديد تحت الشمس هنا.

لكن كل هذا التعاطي الكلامي مع الحدث هو ضرب آخر من البصيرة الضالة ولأصحاب هذا التعاطي أيضًا نقول: سفاح غروزني لم يتحول فجأة إلى باحث متخصص في علم الكلام، إنه ليس أميرًا مملوكيًا يختار معتقدًا يمضيه في الناس ليحفظ مجتمعه من تطاحن يضر سياسته واستقرار دولته، سفاح غروزني ليس صلاح الدين ولا بيبرس، وليس حتى سيفًا سلطانيًا يريد عصبية دينية تدعم ملكه.
سفاح غروزني تحركه دوافع أخرى، لا تحتاج منك إلا إلى نظرة يسيرة إلى خارطة العالم.

(3)

إن السياسات العالمية لا تعطي الثقافة والفكر والمفاهيم دورًا إلا من حيث كونها داعمة للقوة أو لبنة في بنائها؛ فإنها ساعتها تكون القوة الناعمة التي تحالف القوة الخشنة وتعاونها، وإن المواقف العدائية العالمية من السلفية، ليست لأجل معتقدات كلامية؛ فإن إثبات استواء الله ونزوله لا يزعزع عروشهم، ولا يضر ملكهم، ولا يعوق استراتيجياتهم.

إن السياسات الأمنية العالمية تبني موقفها من السلفية باعتبار واحد مركزي وهو أنهم رافد أساسي للقوى المقاوِمة الإسلامية في العالم كله، ومهما اختلفت الأجنحة المقاوِمة السلفية على طوائف أو مواقف أو خيارات داخلها= فإن حزام المقاومة يجمعهم، ولو شغلت الأشعرية أو التصوف نفس المساحة= فستجد سفاحًا آخر يستضيف من السلفيين من يخرج له بيانًا بأن الأشعرية ليسوا من أهل السنة.

القوة هي لغة العالم، والسيف وما يدعمه هو الخطر الذي يقلقه.
طالبان هل انشغل العالم يومًا بكونهم سلفية أو ماتريدية؟
السلفية الموظفة هل تُشكل خطرًا؟
الإخوان غير المبالين بالتراث العقدي والكلامي= هل أدى هذا للتصالح معهم؟

مسلمون طيبون يتصالحون مع قيم العالم الحديث وعندهم القدر الكافي من قابلية التخدير= هؤلاء أصدقاؤنا حقًا، هلموا إلينا أيًا ما كانت مرجعيتكم، سلفية، أو أشعرية، أو حتى إخوانية تستقبل استجوابات في الفقه والتفسير تحت قبة مجلس العموم البريطاني.

ربما تؤمن أنت أن بعض تصرفات التيارات القتالية إجرامية جرت الوبال على العالم الإسلامي، لكن من قال لك أن عدوك يريد منك مقاومة راشدة كانت أو غير راشدة؟!

يقول فوكوياما: ((إن هذه ليست ببساطة حرباً على ((الإرهاب)) كما تظهرها الحكومة الأمريكية بشكل مفهوم وليست المسألة الحقيقية، كما يجادل الكثير من المسلمين هي السياسة الخارجية الأمريكية في فلسطين أو نحو العراق، إن الصراع الأساسي الذي نواجهه لسوء الحظ أوسع بكثير وهو مهم ليس بالنسبة إلى مجموعة صغيرة من ((الإرهابيين)) بل لمجموعات أكبر كثيراً؛ من الراديكاليين الإسلاميين ومن المسلمين الذين يتجاوز انتماؤهم الديني جميع القيم السياسية الأخرى= إنها الأصولية الإسلامية التي تشكل الخلفية لحس أوسع من المظالم أعمق بكثير وأكثر انفصالاً عن الحقيقة من أي مكان آخر…

وعليه فإنه قد يمكن توضيح الأمور بالقول إن الصراع الحالي ليس ببساطة معركة ضد ((الإرهاب)) ولا ضد الإسلام كدين أو حضارة ولكنه صراع ضد الفاشية الإسلامية أي العقيدة الأصولية غير المتسامحة التي تقف ضد الحداثة والتي انبثق حديثاً في أجزاء عديدة من العالم الإسلامي)) ([1]).

وبالتالي فهناك طريق واحد يراه الغرب للتخلص من التحدي الإسلامي، وهو: تحديث هذا الدين وإفراغه من مقوماته الأساسيَّة التي تؤدِّي لاستمراره كقوةٍ صراعيةٍ، وتحوله إلى قِطٍّ أليفٍ مستأنَسٍ لا خطر منه، فالقضية الأساسيَّة ليست إخراج السلفيين من أهل السنة، بل هي بحث في مصادر القدرة الكامنة على المقاومة وعدم الذوبان في الطوفان الحداثي المعَوْلم، من هنا يتم النظر للسلفية/الوهَّابية باعتبارها أحد المنظومات الفكرية داخل البنية الإسلامية، والتي تحمل عداءً كبيراً للحداثة الغربيَّة المعلمنة، وهذه النظرة الغربيَّة للسلفية/الوهَّابية هي الأصل المتجذِّر، في الممارسات التي يتم بها التعامل مع السلفيين.

لا شك أن السلفيين كأي تيار، فيهم جبهات مستعدة لبذل قرابين الولاء للظلمة والسفاحين، ما إذا اقتضت ذلك موازينهم العرجاء للمصلحة، كما أن في رموز الأشعرية والماتريدية المعاصرين شرفاء ومحافظين لم يفقدوا يومًا ممانعتهم ولم يجعلوا دينهم خرقة يتمسح بها الطغاة.

لذلك فإني منذ زمن طويل أحب استعمال مصطلحات الممانعة والتوظيف، فهي مصطلحات دقيقة، تحفظ لكل طائفة حقها في قسمتها إلى شرفاء ومتخاذلين، ولا بأس من إضافة قسم الحائرين من المتخصصين التقنيين الذين لا يبذلون جهدًا كافيًا للتبصر بمواطن أقدامهم بين البقاع المشتعلة التي نتحرك وسطها.

لكن تبقى النسب المئوية والكم والكيف، هي التي تتم المعايرة بها عند الانتقال إلى أرض الواقع، وهي الحسابات الدقيقة التي تقوم بها الحكومات الغربية، ومن تحالف معها من مستبدي الحكومات العربية، إن الانتشار الديموجرافي الهائل للسلفيين في العالم الإسلامي، جعل أي قسم منهم (الممانعة-والتخاذل) قسمًا مؤثرًا، وجعلهم رقمًا صعبًا، حتى من جهة تأثير منظومتهم المفاهيمية في الإخوان المسلمين على نحو ما شرحناه في كتابنا ما بعد السلفية.

وإن الحدث الذي نتناوله هاهنا بالتحليل هو أحد تجليات المحاولات التي لم تنقطع لكنها زادت وستزيد لمحاصرة المد السلفي، طالما هو بيئة حاضنة ومغذية لجبهات المقاومة في العالم الإسلامي، كذلك كل جهة تغذي جبهة مقامة فسيتم حصاره، محاولات لن تنقطع لبسط نفوذ من لا خطر منهم.

إن التيار الإسلامي الذي لا يستجيب بالشكل الكافي أو يبدأ في المناورة بصورة تهدد الاستراتيجيات الغربية وإرادات شبكة القوى والعلاقات المتحكمة في المنطقة، على مستوى الحداثة كمفاهيم فلسفية، وعلى مستوى السلاسة والاستعداد للخضوع الاستراتيجي لمنطق النظام العالمي الجديد كمنظومة سياسية واستراتيجية واقتصادية= سيتم إقصاؤه وفقاً لحسابات معقدة ومركبة، وسيبقى على حد أقصى حزباً يصارع مع الباقين لكنه لا يغلب أو تترك له ساحة التمدد دون حصار وتقليم أظفار.

((ليس هناك في كتابنا- القرآن الكريم- شيء يعلمنا أن نعاني بسلام، بل إن ديننا ليعلمنا أن نكون أذكياء، وأن نكون مسالمين وأن نكون صالحين، وأن نطيع القوانين، وأن نحترم كل الناس، ولكن إذا مسك أحدهم= أرسله إلي المقبرة!

إن ديننا دين جيد إنه دين الأيام السالفة الذي كانت أمي و كان أبى يتحدثان عنه، العين بالعين، و السن بالسن، و الرأس بالرأس، و النفس بالنفس، إن ذلك لدين جيد حقاً وليس ثمة من يمتعض من تعلم مثل هذا الدين سوي ذئب يعتزم أن يجعلك وجبة له)) ([2]).

بلا شك إن هناك من يمتعض من هذا، إنهم أولئك الذين يفرضون عليك هذه الثنائية: إما أن تكون إسلامياً هادئاً معتدلاً على حد قول فاضل الربيعي: تمَّ تعقيمُك، وإلا فأنت إسلاموي إرهابي.

لا يوجد أية فرصة لإدراك تباينات الصورة وتعقيدها، هل كل إسلامي غير معتدل على طرازكم هو إرهابي ولا بد؟

ألا يمكن أن أرفض الإرهاب-بعد أن تُعرِّفوا لنا الإرهاب طبعاً- وفي نفس الوقت أحتفظ بروح المقاومة ، وأرفض عمليات الإخصاء التي تريدون إخضاعنا لها، وتسمونها اعتدالاً وهدوءاً؟

والسؤال: ماذا أفعل كي لا أُوصم بأني إرهابي إسلاموي، ما هي وسائل الانتقال إلى جنة الهدوء والاعتدال التي ترضون بها عني؟
هل يكفيني أن أوسع دائرة مواءماتي مع مفاهيمكم ومصالحكم السياسية مع احتفاظي بمكونات صلبة أخرى؟

أراكم تثنون على بعض من يفعل ذلك، هل ترضون عنه حقيقة، أم يدفعكم فقط لإظهار الرضى عن هؤلاء= توازنات المصالح وإرادة التهدئة وإيجاد منافذ لتنفيس الغضب الإسلامي، وإيجاد خانات أقل تطرفاً ينتقل إليها المتطرف كخطوة مرحلية، وإلا فأنتم لا ترضون إلا بالإخصاء التام والتماهي الكامل، الإسلامي الطيب هو ببساطة من لا يبقى إسلامياً.

الحقيقة أن خياراتك أخي الإسلامي محدودة، والقيم الحداثية، ومفردات لغة النظام العالمي، لا يصح لك أن ترفض شيئاً منها، هل تحسب أن مشكلة أفغانستان ونظام طالبان، فقط أنه آوى إرهابياً في نظرهم؟!
((أفغانستان: أن يمكن على صعيد أرض ما، لكل الإجازات والحريات الديمقراطية، الموسيقى والتليفزيون أو حتى وجه النساء= أن تكون ممنوعة، أن يتمكن بلد ما من أن يُعاكس معاكسة تامة ما نسميه حضارة أياً كان المبدأ الديني الذي يستند إليه= أمر لا يطاق في بقية العالم الحر.

لا مجال لأن يُمكن للحداثة أن تُنكَر في تطلعها العام، ألا تَظهر بوصفها بداهة الخير والمثل الأعلى الطبيعي للنوع، وأن توضع موضع شك كل عمومية عاداتنا وقيمنا، حتى ولو كان ذلك من قِبل بعض العقول التي سرعان ما توصف على أنها متعصبة= أمر إجرامي في نظر الفكر الوحيد والأفق الإجماعي للغرب)) ([3]).

أرأيت لم تكن مشكلة طالبان في إيواء إرهابيين فحسب، ولا في المصالح الاقتصادية والجيو استراتيجية المترتبة على السيطرة عليها فحسب، بل أيضاً لا بد من استكمال قائمة الدوافع، فعالمنا هذا معقد، وشبكة دوافعه متصلة بحيث لا يمكنك فصل رفض القيم الحداثية عن وجود روح المقاومة ولا يمكنك فصل الأمرين عن شبكة المصالح الغربية في المنطقة.

لذلك هناك قائمة أخلاقية لتكون مسلماً طيباً:
أولاً: يجب أن تكون حداثياً في قناعاتك الأصيلة، حين تكون الحداثة ضرورية لنزع المكونات الأصولية منك.
ثانياً: لا ينبغي أن تكون حداثياً مقاوماً ثائراً عند الاحتياج فهذه فضيلة غير متاحة لك.
ثالثاً: ينبغي أن تكون تابعاً متماهياً، لديك القدر اللازم من القابلية للهيمنة.

هذه هي أخلاق الإسلامي الطيب، ألا يكون إسلامياً أصلاً، وإنما مجرد مسلم طيب معتدل.
هذه هي حقيقة المسألة في عمق جوهرها الصلب، ما موقفك أيها المسلم من مرتكزات الحداثة الغربية على مستوى الأسس القيمية وعلى مستوى المظاهر الثقافية؟
ما مدى قابليتك للتبعية؟
ما مدى قبولك لإجراء عملية استئصال لروح المقاومة منك؟
على أساس جوابك عن هذه الأسئلة= سوف نحدد هل أنت طيب أم قبيح أم شرس؟
على أساس جوابك عن هذه الأسئلة= سنعلم هل أنت معنا أم علينا؟

في واقع الأمر عزيزي القارئ:
إن الوضع شبيه إلى حد كبير بالمصحَّة التي احتُجِز فيها جاك نيكلسون في فيلم: ((أحدهم طار فوق عش الوقواق/المجانين)).

هذا المريض المتمرِّد الذي ليس متمرِّداً بقدر ما أنه يطالب بحقوقه الأساسيَّة، والذي ليس مريضاً في الحقيقة، بل تظاهر بالجنون؛ ليفلت من عقوبة السجن، يُفاجأ بالأساليب المتسلِّطة العنيفة لرئيسة ممرضات المصحة، يحاول بكل الأساليب المقاومة ورفع هذا التسلُّط، ودفع المجانين في المصحة للمقاومة والمطالبة فقط بحقوقهم الأساسيَّة، يستعملون معه كل أساليب التهدئة، تتوالى صدمات وجلسات الكهرباء على رأسه، كل هذا يفشل، ولا يبقى سوى حل واحد: يُجرون له جراحة يستأصلون فيها فص المخ (Lobotomy)؛ ليتحول هذا الرجل شديد الشعور بعقله وإنسانيته وحقوقه إلى جثة حية، ويعود الاستقرار إلى المصحة.

في هذه المصحَّة العالمية الكبيرة التي نعيش فيها= من المهم جداً عزيزي الإسلامي ألا تطالب بأدنى حقوقك: أن يكون لك الحق في مرتكزات قيمية ورؤى ثقافية وأسس معيارية مستقلة ومختلفة، أن تكون مستقلاً بالدرجة الكافية، أن تحتفظ بروح المقاومة بقدر الممكن والمشروع في دينك= كل هذا غير متاح، بل يجب أن تبقى معتدلاً تابعاً مستكيناً وهادئاً، وإلا كانت العواقبُ وخيمةً.

ولحسني النوايا أقول:
إن المحنة التي تمر بها الأمة المسلمة محنة عسرة، رائحة الدم فيها تزكم الأنف، وثقل الظلم فيها يزعزع النفوس المؤمنة، وإن حجم البقاع المشتعلة من حولنا لا يسمح أبدًا بتحركات لا تبصر موضع قدمها؛ وإن ربع القرن القادم سيكون فيما نرى أشد عنفًا وضراوة من ربعه الماضي، وإن وتيرة محاولات تقطيع أوصال هذا الجسد وإعطاب أعضائه الحيوية ستزيد، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون، وهو سبحانه ناظر كيف تعملون.

المراجع: 
([1])فرانسيس فوكوياما، ((هدفهم:العالم المعاصر))، مجلة النيوزويك، العدد 81(25 ديسمبر 2001)، مترجم في الشبكة العنكبوتية، وهو منشور بترجمة أخرى لا تختلف عن هذه في : ((عوالم متصادمة: الإرهاب ومستقبل النظام العالمي))، (أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 2005م)، (ص/39-51).
([2]) مالكوم إكس، خطبة بعنوان: وزنجي البيت وزنجي الحقل ترجمها أيمن حداد على هذا الرابط: http://malcolm-x.i8.com/pages/07_znji.html
([3]) جان بودريار، ((روح الإرهاب))، (القاهرة: الهيئة العامة للكتاب، 2010)، (ص/77-78).

مشاركة المقال

مشاركة المقال