
أحمد سالم
الشهوة
العاطفة
الولد
المعنى
الدين
تلك هي الخمس الكبرى التي لأجلها يتزوج الإنسان.
ولو فرغ قلب الإنسان من هذا كله هل يُعقل أن يتزوج؟
الجواب: لا يفرغ قلب الإنسان من ذلك كله إلا لو قُد قلبه من حجر أصم، لكن الإنسان عريض الدعوى، والشيطان يحتال عليه، ونفسه تخدعه، فيقول بلسانه كلامًا هو من جنس كلام المنافقين ليس تحته قلب ينبض بالصدق.
مقتطفات أخرى
لما أعطى رسولُ الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ما أعطى من تلك العطايا في قريش وقبائل العرب، ولم يكن في الأنصار منها شيء، وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم، حتى كَثُرت فيهم القالة، حتى قال قائلهم: لقي رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قومه.
فدخل عليه سعد بن عبادة، فقال: يا رسول الله، إن هذا الحي قد وجدوا عليك في أنفسِهم؛ لِمَا صنعت في هذا الفَيْء الذي أصبت، قسمت في قومك وأعطيت عطايا عظامًا في قبائل العرب، ولم يكن في هذا الحي من الأنصار شيءٌ.
قال: ((فأين أنت من ذلك يا سعد؟)).
قال: يا رسول الله، ما أنا إلاَّ امرؤ من قومي، وما أنا؟
قال: ((فاجمع لي قومَك في هذه الحظيرة)).
قال: فخرج سعد، فجمع الناس في تلك الحظيرة، قال: فجاء رجالٌ من المهاجرين، فتركهم فدخلوا، وجاء آخرون فرَدَّهم، فلما اجتمعوا أتاه سعد فقال: قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار.
قال: فأتاهم رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فحمد الله، وأثنى عليه بالذي هو له أهل، ثُمَّ قال: ((يا معشر الأنصار، ما مقالةٌ بلغتني عنكم، وجِدَة وجدتموها في أنفسكم؟ ألَم آتِكم ضُلاَّلاً فهداكم الله، وعالةً فأغناكم الله، وأعداءً فألَّف اللهُ بين قلوبكم؟)).
قالوا: بل الله ورسولُه أَمَنُّ وأفضل.
قال: ((ألاَ تُجيبونني يا معشر الأنصار؟)).
قالوا: وبماذا نُجيبك يا رسول الله، ولله ولرسوله المنُّ والفضل؟!
قال: ((أمَا والله، لو شئتم لقلتم، فلَصَدَقْتُم وصُدِّقْتُم، أتيتنا مُكذَّبًا فصدقناك، ومَخذولاً فنصرناك، وطريدًا فآويناك، وعائلاً فأغنيناك، أوجدتم في أنفسكم - يا معشر الأنصار - في لُعاعةٍ من الدنيا تألَّفْت بها قومًا؛ ليُسْلِموا، ووَكَلْتُكم إلى إسلامِكم، أفلا ترضَوْن - يا معشر الأنصار - أَنْ يَذْهَبَ الناس بالشاةِ والبعير، وترجعون برسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في رحالكم، فوالذي نفس محمد بيده، لولا الهجرةُ لكنتُ امرأً من الأنصار، ولو سلك الناسُ شِعبًا، وسَلَكَتِ الأنصار شعبًا، لسلكت شعب الأنصار، اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار)).
قال: فبكى القومُ حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا: رضينا برسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قسمًا وحظًّا.
ثم انصرف رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتفرقنا.
عبد الله بن سعد بن أبي السرح، قرشي، يجتمع مع النبي في نسبه، وهو أخو عثمان بن عفان من الرضاعة، وكان عمره يوم بعث النبي عشر سنوات، فبلغ وأسلم قبيل الحديبية.
هاجر للمدينة بعد إسلامه، وكان يقرأ ويكتب، فكان من كتاب الوحي.
في ظروف غير معلومة، كفر عبد الله بن سعد وارتد عن الإسلام وعاد لمكة وكان يجالس كفار قريش فيقول ما يعلم محمد ما يقول وإنه يوحى إلي مثل ما يوحى إليه.
وكان السلف يرون أن هذه الآية تتناوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ}.
لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، لم يعف رسول الله عن جميع أهل مكة كما يتوهم الناس، وإنما أهدر دم جماعة وطالب بقتلهم ولو كانوا متعلقين بأستار الكعبة وذلك لفرط أذاهم، وكان منهم عبد الله بن سعد بن أبي السرح.
ذهب عبد الله لعثمان فقال له: ((إن جُرمي أعظم الجُرم وقد جئت تائباً )).
عثمان بن عفان أبى أن يضيع أخاه فأتى به ممسكًا بيده إلى رسول الله طالبًا العفو، فمد يده لرسول الله يصافحه على العفو والإسلام ورسول الله يأبى أن يصافحه فلما طال الأمر مد رسول الله يده فعفا عنه وأسلم عبد الله، وكان رسول الله يود لو انتبه الصحابة لتأخره في المصافحة فيقوم أحدهم فيقتله، وعاتبهم في هذا فقال له عباد بن بشر: والذي بعثك بالحق إني لأتبع طرفك من كل ناحية رجاء أن تشير إلى فـ أضرب عُنقه فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:«إن النبي لا ينبغي أن تكون له خائنة الأعين».
حسن إسلام عبد الله وقاتل مع رسول الله وخلفائه في المعارك كلها وولاه عثمان بن عفان حكم مصر لما فُتحت بعد عمر بن العاص أول حكام مصر من زمن عمر بن الخطاب.
تولى عبد الله بن سعد قيادة الجيش في مصر وهو قائد اول نصر بحري للمسلمين في معركة ذات الصواري، وقاد فتوح المغرب وكان له شرف افتتاحها ومات شهيدًا في معاركها.
قلت: هذه رحلة طويلة لرجل أراد الله له ما لم يُرده لنفسه في مواطن كثيرة، ولا ظن أحد من الناس أنه يُختم له بما خُتم له بعد هذه الرحلة الطويلة، ولو رأيتَه يوم يكتب الوحي لقلت أنى لي بمنزلة هذا، ولو رأيته يوم يفتري على النبي لقلت أنى يؤمن هذا، وخزائن الله أوسع من أوهام البشر.
موج الحياة يخفض الإنسان ويرفعه، وعمل الإنسان يرتفع به أو يهوي به، وما من يوم ترى فيه أنك أسوأ الخلق إلا والفرصة فيه قائمة لتكون إلى الله من أحب الخلق، ولن يمل الله من بسط يديه إلينا حتى نمل من اللجأ إليه.