
أحمد سالم
عن ابن أبي مليكة: أن عقيل بن أبي طالب تزوج فاطمة بنت عتبة بن ربيعة، فقالت: تصبر لي وأنفق عليك، فكان إذا دخل عليها قالت: أين عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة؟ (تفخر عليه بأبويها)= فيسكت عنها.
حتى إذا دخل عليها يوما وهو برم قالت: أين عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة؟
قال: عن يسارك في النار إذا دخلت. (وكانا قد ماتا كافرين).
فشدت عليها ثيابها، فجاءت عثمان فذكرت ذلك له فضحك، فأرسل إلى ابن عباس، ومعاوية، فقال ابن عباس: «لأفرقن بينهما»، وقال معاوية: ما كنت لأفرق بين شيخين من بني عبد مناف، فأتيا فوجداهما قد أغلقا عليهما أبوابهما وأصلحا أمرهما فرجعا.
اصبر لي: أي لا تجمع معي غيري، ولا تتزوج علي.
وفي هذا الأثر مجموعة أفكار كلها تضرب في التقاليد الفاسدة للزواج الحديث، وتنقض التصورات الفاسدة عن منظومة الزواج ومعايير الرجولة والأنوثة، وما يحتمله الرجل من زوجه وما تحتمله الأنثى من زوجها.
مقتطفات أخرى
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أهل القرآن، أوتروا، فإن الله وتر، يحب الوتر».
فقال أعرابي: ما تقول؟
فقال صلى الله عليه وسلم: ليس لك، ولا لأصحابك.
قلت: وهذا الخبر أصل عظيم في باب عظيم:
وهو أن الخطاب بالعلم والإيمان قد يُتخفف فيه لبعض الناس بحسب دينهم وإيمانهم فلا يخاطبون بما يُخاطب به الأسبق إسلاما والأكمل إيمانًا، وأنه ليس يصلح كل الناس الازدياد في العمل، وإنما يكون المطلب الأعظم منهم هو ضبط أصول الفرائض المحرمات.
وهذا الحديث مما يظهر به معنى حديث الأعرابي الذي فيه أفلح إن صدق، وأنه في قوم مخصوصين خاطبتهم الشريعة بما لا ينفرهم ويخرجهم من الدين لثقل التكاليف على إيمانهم.
ومن هنا تعلم صحة ما أشرنا له مرارًا من خطورة رفع سقف الخطاب الدعوي بعلم وإيمان يُزعم أن التدين لا يكون إلا به، والحال أنه لا يطيقه أكثر المخاطبين، فيفرح الداعية بالقلة المستجيبة ويغفل عن الأكثرية التي بقت على حالها لثقل خطابه عليها، وفرحه غرور، يضر الناس ويٌقسد المجتمعات.
لا يوجد أي هدف حياتي يعطي المعنى والمغزى الشخصي للحياة، إلا ومساعدة الناس جزء منه.
أشرف الوظائف الإنسانية وأعظمها وأجلها هي (النبوة) وهي في جوهرها: مساعدة الناس.
جوهر معظم أسماء الله الحسنى يتعلق بتجلي الصفات الإلهية على الناس رحمة ورزقًا وعطاء.
وإذا أراد الشيطان صد العبد عن هذا الطريق نفخ له في أذى الناس لمن ساعدهم؛ لأجل ذلك تجد في الوحي بيانًا ظاهرًا متكررًا لأمرين:
الأول: كفران الناس نعمة ربهم وهو خالقهم ورازقهم.
الثاني: أذى الناس لأنبيائهم وما بعثوا إلا رأفة ورحمة بهم.
كأن الله يعظك من تلك النفخة الإبليسية: لا تحجزك خيبة الأمل عن مواصلة المساعدة والعطاء فأنت تفعل ذلك رجاء الأجر من الله ولأن هذا هو ما يليق بك، أراد الله تجلي صفاته ولو شاء لم يسق كافرًا شربة ماء لكنه سبحانه يفعل ما يليق بإحسانه وهو غني عن عباده، فأحسن إلى الناس لا يصرفك عن ذلك كيد الشيطان، أحسن إلى الناس لأن هذا هو ما يليق بك، ولئن يهدي الله بك رجلًا واحدًا= لكفاك ذلك وأغناك.
وأفضلُ الناسِ ما بين الورى رجلٌ
تُقضى على يدهِ للناس حاجاتُ