
أحمد سالم
قالَ عبدُ اللهِ بنُ المباركِ: حسنُ الخلقِ فِي ثلاثِ خصالٍ: اجتنابِ المحارمِ، وطلبِ الحلالِ، والتَّوسعةِ علَى العيالِ.
مقتطفات أخرى
التصوف اسم لكل الاتجاهات التي زاد اعتناؤها بأبواب العمل الباطن، وتدور نصوصهم وممارساتهم حول القلب وعباداته وأمراضه، والنفس وتزكيتها وعيوبها، مع مبالغة في الزهد والتعبد وقطع الاشتغال بالدنيا؛ طلبًا لتصفية النفس ومعرفة الحق من طريق التقوى والعمل والعرفان.
وهذه الاتجاهات ظهرت بداية من القرن الأول الهجري في البصرة، ومن أعلامها الحسن البصري ومالك بن دينار، وحصل لها نوع تأثر بالزهد المسيحي الذي كان شائعا في البصرة، مع وجود مساحة حق كبيرة تتقاطع مع السلوك النبوي وهدي الصحابة.
ولم نصل إلى القرن الخامس الهجري حتى كان التصوف قد ترسخ في البنية الثقافية والمجتمعية الإسلامية وصار واقع الاشتغال الديني الإسلامي يقسم إلى:
النظر في أبواب العقائد نظرًا معرفيًا، وهذه وظيفة المتكلمين.
النظر في أبواب الأعمال والفروع وهذه وظيفة الفقهاء.
النظر في إصلاح القلب والجوارح، والعمل بالعلم الذي في القسمين السابقين، وهي وظيفة علماء السلوك والتصوف.
وصار لكل عالم معتقده الكلامي، ومذهبه الفقهي وطريقته الصوفية.
مع التطور التاريخي دخلت ثلاثة مكونات على هذه الصورة، قد تجتمع في اتجاه أو شخص وقد تفترق:
الأول: التأثر بالفلسفات الغنوصية وباتجاهات التصوف اليهودية والمسيحية والهندية والفارسية.
الثاني: التأثر بالمذاهب الحلولية بالتحديد من تلك الفلسفات السابقة.
الثالث: دخول الممارسات البدعية، ثم الوثنية والشركية وعبادة القبور ورفع مراتب الأولياء حتى تصرف لهم بعض العبادات التي يعد صرفها لغير الله شرك.
فصار التصوف بحسب اختلاطه بمكون أو أكثر على أربعة أنواع:
الأول: تصوف سني قريب جدًا من السلوك النبوي وهدي الصحابة والتابعين، فيه أنواع من المبالغة والتدقيق وطرف من الآراء والممارسات الخاطئة لكن تظل داخل دائرة الاجتهاد في طلب السنة لا يوجد فيها أصل بدعي وفق المفهوم الكلامي للافتراق عن السنة (الذي يشترط المخالفة في أصل كبير)، ومن أمثلته تصوف الحسن والمحاسبي والجنيد والجيلاني وابن الجوزي وابن القيم في بعض نصوصه.
الثاني: تصوف بدعي، فيه من طلب الحق والسنة الكثير لكن لا يخلو من بعض البدع كتدقيقات أوغل في العجمة وأبعد عن السنة من تدقيقات النوع الأول، وبدع في السلوك والعمل كالسماع والرقص والطرق والعهود ونحو ذلك، ومن أمثلته تصوف السلمي والقشيري والهروي والغزالي.
الثالث: تصوف شركي، وفيه ما عند الطائفتين السابقتين ويزيد عليه بدع القبور وشركيات الاستغاثة بالأولياء، ويوجد عند كثير من أعلام ما بعد القرن الثامن الهجري.
الرابع: تصوف فلسفي غنوصي باطني أو حلولي اتحادي، وهو أبعد مراتب التصوف عن مقالات الإسلاميين وكثير من أعلامه قيل بكفرهم، ومنهم السهروردي المقتول، وابن عربي، والرومي وابن سبعين.
بغض النظر عن انتهاء السياق التاريخي للسؤال، إلا أن في الجواب فوائد لا تنقطع أهميتها في كل سياق:
يقول الشيخ ابن عثيمين في جواب عن سؤال وُجِّه له:
((أما ما جاء ضمن السؤال: هل وجود الدش يعتبر من الدياثة؟ نقول: هذا ليس من الدياثة؛ لأن الديوث هو الذي يقر الفاحشة في أهله، وهذا الذي عنده الدش لو رأى رجلاً يحوم حول بيته فضلاً عن أن يفعل الفاحشة في أهله لقاتله، فلا يمكن أن نقول: إن هذه دياثة، لكن نقول: إنه سببٌ للشر والفساد، وهذا شيء معلوم، ولذلك أرى أن من الواجب على طلبة العلم في كل مكان أن يحذروا منه، وأن يبينوا أضراره، وإذا كان يلتقط أشياء فاسدة والكل يعرف فسادها وضررها فليأتِ بمثال ولا حرج، لكن الواجب التحري في النقل والصدق؛ لأن بعض الناس -نسأل الله لنا ولهم الهداية- يضيفون أشياء لم تكن؛ من أجل المبالغة في التنفير عنه، وكأنهم على رأي من يرى من العلماء أنه لا بأس بالحديث الضعيف في مساوئ الأخلاق للتنفير منها، وهذا ليس بصحيح.
أقول: التهاون في النقل ليس بصحيح؛ لأن لدينا في مجتمعنا من يحب أن يجد ثلمة في الدعاة ينتقدها عليهم، ثم يكون في هذا نزع الثقة مما يقوله الدعاة، فإذا تحرى الإنسان ونقل أدنى شر أو أعلى شر لكان الحق معه ولم يعترض عليه أحد، أما المبالغة التي توجب انتقاد الناس للدعاة والحط عليهم فلا تنبغي؛ لأن المقصود بيان الحق وهداية الخلق، وهذا لا يكون إلا بالصدق والتجرد في النقل والبلاغ)).
[لقاء الباب المفتوح]