أحمد سالم

أحمد سالم

ينبغي أن نهدأ، أن نكون أبطأ، أن نكون أكثر تأملًا وانتباهًا ويقظة؛ فحينها سنحسن الإصغاء إلى ذواتنا، وسنحسن الاستمتاع بعلاقاتنا، وسنبصر جمال العالم وما أبدعه الله فيه.

وسيأتي مع ذلك أيضًا، إدراكنا وبصيرتنا لقبح ما صنع الإنسان بهذا العالم، لعل ذلك هو دافعنا الخفي للعجلة والغفلة وترك الانتباه، أننا لا نحتمل القبح الذي سنراه حين نتمهل وننتبه.

هذه معضلة من الصعب حلها، ولا أعلم أن الإنسان يومًا استطاع تخليص الخير من كل شر، أظن أن هذا جزء من البلاء الذي تحملناه أمانة، أن نرى جمال الله في العالم وأن ننكر ونقاوم قبح فعال الناس فيه، على الأقل أن نجاهد كي لا نكون منهم قدر ما نطيق، والله يرحمنا ويرى منا هذه المجاهدة، فهو سبحانه جميل يحب الجمال، ويحب الذي يجاهدون القبح ويحيون الجمال.

مشاركة

مقتطفات أخرى

الأسلمة الحقيقية لأية بنية تقتضي إصلاح ثلاثة أركان للبنية:

الأول: منظومة قيمها.

الثاني: منظومة أهدافها.

الثالث: منظومة الأفكار والأدوات والوسائل وسياسات الربط بين النظر والعمل.

وهو إصلاح قد يصل لحد النقض والقلب وقد يكون مداه أقل من ذلك، بحسب درجة تغلغل الباطل في تلك البنية.

الأسلمة السطحية أو الشكلية لا تحقق نتائج كبيرة في أي ركن من هذه الأركان.

سأتجاوز الآن شرح مفهوم الأسلمة نفسه وإشكالياته، لأنتقل إلى فكرتي الأساسية هنا:

عندما نتكلم عن استحالة الأسلمة لبعض البنى، يرجع ذلك بدرجة أساسية لاستعصاء هذه البنية على البقاء والحفاظ على جوهرها بعد تعديل هذه المكونات، وهذا على فرض قدرتك على هذا التعديل.

يشبه الأمر الفرق بين السيارة الخاصة وقطار المترو، الأولى يمكنك أن تحولها لتاكسي بأن تدخل تعديلات كثيرة جدا على أهدافها ووجهتها ونظامها الداخلي، وسيتحول لتاكسي مع بقاء جوهر السيارة.

 أما قطار المتر فيستحيل تحويله إلى تاكسي إلا بتعديلات تنتهي في النهاية إلى تحوله إلى جوهر مختلف وبعمليات تقتضي إخراجه من نظام السكك الحديدية، وتشبه قلب الجنس لا تعديل المكونات.

يمكنك تحويل حضانة إلى كتاب لتحفيظ القرآن ومبادئ الأخلاق الإسلامية، الحضانة بنية تربوية حداثية، وإمكانيات أسلمتها وتعديل مكوناتها متاحة إلى حد كبير لأن نظامها العام مرن.

لكن لا يمكنك أسلمة كلية داخل جامعة حتى لو صرت عميدًا لها، لا يمكنك قلب بنيتها الحداثية وإخراجها من النظام والحصول لها على استقلال يشبه استقلال معاهد العلم التراثية، إلا بإخراجها خارج النظام وتحويلها إلى كيان مختلف غير بنية الجامعة الحداثية.

التقليل والتحسين وإخراج الأغاني الهابطة من إذاعة القطار أو اختيار أساتذة أو بعض الكتب على خلاف رغبة النظام؟

نعم هذه مساحة ممكنة لتقليل الشر والسعي لها في الجملة مشروع ما لم يختلط بفساد أكبر أو يؤدي إليه.

لكن توهم إمكانية أسلمتها حقًا بقلب مكونات القيم والأهداف والوسائل= مجرد أوهام، طالما لا زالت داخل النظام.

اقرأ المزيد

‏هناك نقد غربي لهيستريا العلاج النفسي والعقاقير النفسية والتمركز حول الذات وتحويل العلاج النفسي لما يشبه الوحي الذي يجيب عن أسئلة الحياة.
‏استيراد هذا النقد من مجتمع متخم، وتسليطه على الواقع العربي غلط عجيب.

فالمجتمع العربي يعاني من عقدة الخوف من الطب النفسي، ويعاني من تدني مستويات الصحة النفسية، ومن جهل عام بخارطة الاضطرابات النفسية والعقلية وتأثيراتها الحقيقية.
والمجتمع العربي يعاني وبشدة من هدر الذات لصالح أنظمة غاشمة وتركيبات مجتمعية تدار بالأعراف الفاسدة مع فقدان ثقة واضح في المؤسسات الدينية، فالتمركز حول الذات إن وجد فهو في الحقيقة محاولة لاستنقاذ الذات من تحت الانقاض، فنعم التمركز هو.

‏ النقد الغربي بعض نواحيه مفيد الآن لكن معظمه أجنبي تمامًا عن الاحتياجات العربية النفسية، وأعظم استفادة من هذا النقد هي توليد خطاب موجه للأطباء والمعالجين، يُرشد ممارساتهم ويسعى لإرشادهم لخارطة تقيهم الألغام المزروعة في حقل علم النفس والطب النفسي الغربيين.

أما توجيه هذا الخطاب للأفراد فهو أشبه باستعمال أدوية التخمة مع مريض الهزال.

اقرأ المزيد