أحمد سالم
يظن الإنسان أنه يمكنه أن يصل إلى درجة كافية من فهم ذاته وجودة تفعيل قدراتها بعمله الذاتي الفردي فحسب، وهذا وهم شائع..
يدخل الإنسان بعون من علاقاته المركزية إلى أماكن من ذاته لم يكن ليبلغها قط ولا حتى يحلم بوجودها أو يجرؤ على دخولها وحده..
الأب
الأم
الأخ
الزوج
الابن
الصديق
بل حتى العدو..
كل أولئك وعبر التواصل الصادق الصائب معهم= يستخرجون منك أحسن ما فيك لتراه وتحبه وتتمتع به وتنميه، ولربما استخرجوا منك أسوأ ما فيك لتراه وتقبله وتداويه..
وبدون العدو وشنآنه لم يكن العدل ليختبر، ولا العفو ليمتحن، ولا العلاقة بالأولياء لتقوى، حتى إن الله يقول للمتولين عن صراع الأعداء: فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم.
وكل علاقة تفقد وجودها كفقد أحد الوالدين باليتم، أو الأبناء بالعقم، أو الزوج بالعزوبة= يعني أن جزءًا من ذاتك سيظل مجهولًا مغلقًا، وذاك بعض ابتلاء الحياة تبكيه وتصبر عليه، ولكن من هنا تعلم: أنه لا وجود لذات مكتملة بقدر الطاقة الإنسانية للاكتمال= بدون هذا التواصل الإنساني الذي تتجلى فيه الذات تجليًا لا يحدث لها قط وحدها..
وفي الكتاب المقدس قبل خلق حواء، وقال الرب الإله: ((لا يحسن أن يكون الإنسان وحده، فلأخلقن له عونًا يناسبه)).
ويقول سبحانه في الكتاب الخاتم المعصوم: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة.
ويقول سبحانه: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا.
مقتطفات أخرى
من الأشياء المزعجة في العلاقات، إن عادي زوجتك تشتكي منك لأهلك أو لأهلها ربع أو نص ساعة (لو كانت قليلة الكلام).
وزوجك يشتكي منك لأهله أو أهلك بنفس الشكل.
والصاحب بيشتكي صاحبه في مكالمة طويلة.
لكن من النادر إن لم يكن من المعدوم إننا نلاقي حد من هؤلاء بنفس الطاقة والدافعية= بيتكلم ربع ساعة عن حسناتك ومميزاتك وما تستحق الشكر عليه.
نفس الأمر مع المولى تبارك وتعالى، نحن نسرف في الشكوى ونبخل بالشكر.
ولأجل ذلك قال الله عما يكون بين الناس: { ولا تنسوا الفضل بينكم} والنسيان الترك فنسيان الفضل يكون في الغفلة عنه وفي ترك ذكره والتحديث به.
ولأجل ذلك قال الله عما يكون بيننا وبينه: { وأما بنعمة ربك فحدث}.
استغرق صديق لي ثلاث سنوات من العلاج الدوائي مصحوبًا بالعلاج السلوكي المعرفي بمعدل عمل وواجبات تصل لعشر ساعات أسبوعيا= للتخلص من مرض نفسي شديد كان يدمر حياته.
الحفاظ على الحياة الإيمانية للقلب يحتاج إلى روتين يومي لا يقل مجموع ساعاته الأسبوعية عن خمس عشرة ساعة.
إتقان المراحل الأساسية للتمكن في أي علم يحتاج لعمل جاد لا يقل عن عشرين ساعة أسبوعيا لعام أو أكثر.
جودة العلاقة الزوجية، وجودة العلاقة مع الأبناء يحتاج لتواصل حقيقي ومنتظم لا يقل عن سبع ساعات أسبوعيًا.
أي عمل يكفل لك حياة معقولة لن يقل عن خمسين ساعة أسبوعيًا.
لا يتحقق أي هدف بمجرد الأماني، ولا توجد حبة دواء كفيلة بإصلاح ما عطب من شأنك.
لا أعرف كتابًا تقرأه فيُكسبك سلوكًا ما أو يداويك من آفة ما، المعرفة وسيلة وليست شفاء.
العمل الجاد، الروتين المنتظم، العادات الواعية، الخطوات القليلة الثابتة نحو هدف واضح.
تعلم كيفية السقوط بنفس أهمية تعلم كيفية القيام من هذا السقوط.
تحويل كل معرفة إلى سلوك روتيني وعادات منتظمة.
في ديننا: مئات التفاصيل في سنن وآداب عمل اليوم والليلة، من ذكر النوم لذكر القيام لآداب المشي إلى الصلاة لآداب المكث في المسجد لأدب اللقاء وأدب الفراق، كل ذلك ببساطة: نموذج للروتين اليومي الذي تتغلغل به المعرفة في حياتك لتكون حية وتحيا بها.
المعرفة وحدها لا تغير، وإنما العلم بالعمل ذاك مجرد شعار، المفتاح كله في فن صناعة الروتين الذي يحييك والعادات التي تحيا بها.
خطابات كثيرة غايتها أن تقول لك: اعمل الصح (بصوت غسان مطر)، لكنها لا تجييك عن سؤال: أيوه يعني أعمل إيه (بصوت حزلقوم).